أساس المشكلة نجده في عدم تشكل مفاهيم جديدة حول الأسرة مرتبطة بهذه التغييرات الحاصلة التي لم تكن معهودة، وعلى رأسها مفهوم النفقة، ولعدم تحديد النفقات الضرورية التي تجب على الزوج.. إذ يتصور الكثيرون أن كل ما يحتاجه المنزل ضروري، ولو حددنا الضروري من غيره لأصبحت عبارة النفقة واجبة على الزوج تحصيل حاصل في موضوعنا هذا، لأن النفقة الضرورية لا تشكل سوى نسبة ضئيلة والخلاف على ما تبقى من كماليات، فمثلا أغلب مشتريات المراكز التجارية كمالية، وأغلب الطلبات الخارجية، والأجهزة والملابس، واستهلاك الكهرباء، كذلك أغلبها كمالي، ولا يعني هذا أن يقتصر الزوج على ذلك، وإنما من حسن العشرة التوسع كما أنه من حسن العشرة أيضًا أن تساعده الزوجة، وليس من الأخلاق الحميدة أن تتقاضى الزوجة راتبًا أعلى منه أو تملك ثروة كبيرة، وفي الوقت نفسه ليس عليها أي التزامات مالية أو نفقات، ولا تشارك الزوج وهي تراه يعاني في الإنفاق.. وبالتالي يمكن أن يسن نظام يلزمها بذلك لأن مصدر الأنظمة هو الأخلاق، كسائر الأنظمة التي تُعنى بضبط سلوكيات الناس فهي ذات منشأ أخلاقي.
في السابق لم تكن فلسفة الزواج كما هي الآن، فالزواج الآن يقوم على الشراكة.. أي أنه علاقة تبادلية بين الزوجين، فكل ما يستفيده الرجل من المرأة تستفيده هي كذلك بلا استثناء وبالقدر نفسه، بخلاف العلاقة الزواجية في السابق فهي علاقة مقايضة وليست تبادلية، فالزوج يأخذ من الزوجة المبيت وخدمة المنزل وهي تأخذ منه المال. هذه كانت الفلسفة قديمًا أما الآن الأدوار تبادلية مشتركة، وبالتالي يجب أن يتبادلا النفقات غير الضرورية.. وأحيانًا الضرورية المرتفعة كعلاج ابنهما أو إيجار المنزل ويتساويان بها، خاصة إذا ما علمنا أن كثيرًا من الأدوار النمطية والأعمال المنزلية بدأت تقل بسبب وجود الأجهزة الحديثة التي تقوم بالمهمة.
وبسبب تغير مفاهيم العشرة الزواجية وتطورها لدى الزوج، لم يعد يطالب بأعمال المنزل كما كان في السابق، ويجب أن يقابله كذلك تطور لدى المرأة في مفهوم الإنفاق.. مما يعني أن مبدأ المقايضة السابق قد اختل.
وإذا كان القرآن قد قال في الإنفاق على المطلقة التي أنجبت لطليقها «لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده» أي لا يحصل له أو لها ضرر بسبب الإنفاق.. وهذا مع الابن وهو الأقرب إلى الشخص من زوجته، فكيف مع الزوجة حينما يتضرر الزوج بإلقاء كامل المهمة عليه.