وهناك عدة فروق بينها، منها أنه في النوع الأول يكون وجود الدولة تابعًا للمعتقد، أما الثاني فإنه ركيزة سياسية، ومنها أن الأول يعتبر الدولة أداة لا أكثر للمعتقد، أما الثاني فالدولة قائمة بهذا المعتقد أو غيره، ولكنه مراعى إلى حد كبير، والسياسة مشوبة دائمًا مع الدولة الأيديولوجية؛ لأنها في النهاية لنشر المعتقد أو الأيديولوجيا، وإن كان ظاهرها سياسيًا، وأما النوع الثاني فالسياسية للسياسة لا غير، والمواطنة في النوع الأول لمعتنق المعتقد، أما الثاني فالمواطنة ليس للمعتقد وإنما للجغرافيا التي تقوم عليها الدولة.
ومن المعلوم أن الحياة السياسية الحديثة تستبعد الدول ذات الأساس الأيديولوجي؛ لأن المعتقدات ليست للدول وإنما للأفراد.
وهذا هو ما يفسر سبب فشل كل تلك الدول الأيديولوجية سياسيًا، لأنه لا يمكن للدول الأخرى الوثوق بما تطرحه وتلتزم به مهما أظهرت من حسن النوايا، ومهما قدّمت من مشروع سياسي، بل مهما أظهرت من وضوح في سياساتها المتخذة، لأن العمل السياسي يقوم عادة على الأعراف السياسية الدولية والقوانين والأنظمة والمصالح.
والدولة الأيديولوجية لا تتصرف بهذه الطريقة، وإن أظهرت ذلك، وإنما تتصرف وفق أيديولوجيتها الدينية الغيبية المصدر، التي لا يعلمها أحد سوى السدنة الدينيون لها، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بما تفعل، ولا الاطمئنان لما يتم الاتفاق معها بشأنه، فلا يمكن المجازفة بأكثر من هدنة أو تبادل محدود للمصالح، لكن لا يمكن أن تكون حليفًا إستراتيجيًا لدولة مدينة، فمثلا ما الذي يضمن أنهم لو ضمنوا لأقلية غير منتمية لهذه الأيديولوجيا حقوقها أو بعض من حقوقها، أنه لن يخرج عليهم رجل دين يخبرهم بحكم ديني كان غائبًا عنهم حين الضمان لهم بذلك فينقضونه؟ أو تُثار نعرات دينية من نوع ما فينقلبون عليهم..
وهل يستطيع مفكر أن يطمئن لمستقبله ولحياته في دولة كطالبان أو دولة الإخوان أو إيران، حتى وإن أقروه على عمله.. وهذا مع المفكر فكيف بصاحب المعتقد المخالف.. ناهيكم عن الأنظمة التي ستطبق في الداخل وطبيعتها، والعدالة الاجتماعية وتولي المناصب، فالمتشرب للمعتقد سيحظى بمركز أفضل، والاهتمام بالإنسان وبناء الدولة غير معتبرة لديهم، ولهذا تركها العالم لأنه لا يمكن أن تحدد معالم دولة من كتب دينية تحدد هذا المعتقد، وبالتالي سياسة الدولة.