فيلم «رجل السكة الحديدية» من بطولة نيكول كودمان وكولين فيرث، مقتبس من قصة حقيقية لضابط بريطاني اسمه لوماكس، وقع في أسر القوات اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتم إجباره على العمل كعبد لشق السكك الحديدية، ويتعرض الضابط البريطاني لكل أنواع التعذيب من ضابط بالجيش الياباني، وبعد انتهاء الحرب وخروجه من الأسر ومرور عشرات السنين، كانت ذاكرته لا تزال مليئة بتلك الإساءات والكراهية والعقد النفسية، وحب الانتقام من الضابط الياباني، وتمر الأيام لتأتيه الأخبار أن ذلك الجلاد لا يزال على قيد الحياة.

لقد كان إيمان لوماكس أن شفاءه من كل تلك الأمراض، يكمن في قتل ذلك المجرم. وعندما يقابله ويعترف القاتل بكل جرائمه ويتأسف منه، ويطلب منه الغفران فيمنحه له، ويتصالح لوماكس مع ذاته ومع حاضره ويتخلص من ماضيه. لقد كانت البطولة الحقيقية ليست في الانتقام ولكن في القدرة على العفو والتسامح. لقد كان ملخص الفيلم أن الكراهية لابد وأن تنهزم يوما ما، وأن الضحية يظل في انتظار كلمة آسف حتى يستطيع المسامحة.

قد تجعلنا مرارة الأذى نتوق إلى الانتقام، ولكن علينا أن نؤمن بأن الانتقام يمنح النفس رضا مؤقتا، وسيؤدي إلى التنازل عن كل القيم والمبادئ التي نحملها ونؤمن بها، وبغض النظر عن الضرر الذي لحق بك ومدى شعورك بأنك على حق، وأن الطرف الآخر على باطل، فإن الانتقام بدافع الكراهية قد يكون خطرا على حياتك حاضرا ومستقبلا، وأي شخص يقضي الكثير من وقته في تخيل طرق الانتقام، التي يعتقد أن الطرف الآخر يستحقها، والتي تعبر عن مدى الكراهية والاستياء من تلك التصرفات، فإن تلك التخيلات تدل على أن ذلك الشخص يعزز سلوك سوء النية في نفسه، وقد يتحول هذا السلوك إلى نوبات من الغضب والأمراض النفسية، إن الاهتمام بقيمنا الجوهرية يساعدنا على الارتقاء بتصرفاتنا، وردود أفعالنا ويمنعنا من الانحدار إلى مستوى أولئك الذين أساءوا لنا. وفي المقابل علينا أن نفكر في أهمية التسامح، رغم ان اختيار التسامح عند تعرضك للضرر قد يكون أمرا صعبا.


كما أن علينا أن نتذكر أن التسامح لا يعني التنازل، وإنما يعني القدرة على التخلص من الألم والرغبة في الانتقام والمضي قدما في حياتك.

إن القدرة على التسامح تتطلب الإيمان بأن الإصرار على التمسك والتشبث برغبة الانتقام، قد يدمر صحتك الجسدية والعقلية. إن التسامح ضروري جدا كعملية علاجية للتخلص من كل الإضرار والآلام. ولتجاوز حاجز الكراهية والرغبة في الانتقام، فإن الأمر مرتبط بتغيير الوضع الذي تعرضنا فيه للضرر، فلا يمكن لضمائرنا أن تتعافى وهي تتعرض لنفس الضرر باستمرار. إن الكراهية قد تتسبب في آثار دائمة على نفسياتنا ولكن يجب ألا ندعها توهن عزيمتنا، أو تقلل من قدرتنا على التحمل والتعايش، وألا تكون سببا في فقداننا لقيمنا ومبادئنا. وأخيرا أي واحد منا قد تعرض لضرر أو تنمر أو كراهية، يجب أن يكون ذلك سببا في استجماع شجاعته لمواجهة ذلك الضرر، والتخلص منه والمحافظة على قيمه ومبادئه، دون الانحدار إلى مستنقع الكراهية .