إحدى الأطروحات تتناول الموضوع كشكل من أشكال المساواة، وتقدم النموذج الغربي لتأطير فكرة أن خروج المرأة للعمل ومساواتها بالرجل تعني مشاركتها في مسؤولية النفقة على الأسرة. وينسى أصحاب هذا الطرح أن في الغرب لا توجد قوانين تجبر الزوجة على الإنفاق، والأكثر من هذا أن المرأة في معظم القوانين الغربية تقتسم مكتسبات الأسرة في حال الطلاق سواء شاركت في الإنفاق خلال الزواج أو لم تشارك، فالقانون يعتبر أن مساندتها للزوج وعنايتها به وبأطفاله سبب في ثرائه فلا يكون عدلا ولا تكون مساواة أن تخرج من الزواج خالية الوفاض.
في الغرب كذلك لا يسمح بتعدد الزوجات، وهذه نقطة جوهرية في حال مشاركة الزوجة في الإنفاق، فالمال الذي يجنيه الزوجان يكون تحت تصرف الأسرة واحتياجاتها، فلا يقع غبن على الزوجة التي تنفق وتساند ثم تستفيد امرأة أخرى من أموالها أو أموال الزوج. فهل مجتمعنا مستعد لإقرار قانون يمنع التعدد بشكل عام أو يمنعه على الأقل على من تشاركه زوجته الإنفاق، بل وتجريم العقود التي لا يتم توثيقها كالمسيار ونحوه، فهذه كلها أعباء مالية على الأسرة يجب أخذها بعين الاعتبار.
خلاصة هذا الأمر أن ذريعة المساواة لا تسوغ منفردة إسقاط النفقة عن الزوجة إلا بتعديل شامل على كل القوانين ذات العلاقة بالأسرة والزواج، وذلك من أجل ضمان الأمان المادي والاستقرار، ويلزم هذا أن يوضع قانون للتعويض بعد الطلاق، ومنع الرجل من التعدد بأشكاله كافة، حتى لا يبدد أموال الزوجة التي تشاركه النفقة.
هذا طبعا إذا استلهمنا النموذج الغربي القائم على تشريعات مدنية وليست دينية.
أما إن عدنا لواقعنا فإنه سيدهشنا أن حملة المطالبة بإسقاط النفقة عن الزوجة الموظفة، هي حملة لا تستند على أرقام أو معطيات حقيقية، بل هي مجرد فقاعة بعيدة عن واقع الزوجات الموظفات، وبعيدة أكثر عن قيم الرجال في مجتمعنا، لكن لسبب أو لآخر صارت هذه الفكرة تناقش على أهم قنواتنا !
لا أعرف إن كانت لدينا إحصائيات دقيقة عن حجم إنفاق الموظفات على أطفالهن وأسرهن، لكنني من باب الإنصاف أقول إنني أعلم تمامًا أن الأمهات والزوجات غارقات في مصاريف الأطفال وقروض المساكن ورسوم المدارس ومطالب الحياة التي لا تنتهي، هذا هو حال الغالبية من السيدات والمترفات هن الندرة والقوانين لا تشرع للحالات النادرة.
بقي أن نقول إن الزواج في معظم الأديان راعى المرأة في الحقوق المادية أكثر من الرجل مقابل ما وضع عليها من عبء نفسي وجسدي عند الزواج وما تتحمله من آلام الحمل والولادة ورعاية الأطفال والعناية بشؤون الأسرة، وهي مهام لم ولن تتخلى عنها الأمهات العاملات.
نحن ندعو كل السيدات للعمل والاستقلال المادي، وعلى المجتمع أن يتقبل أن تمكين المرأة هو استحقاق لها كمواطنة وليس تبرعًا مجتمعيًا تساوم عليه وتجرد بسببه من حقوقها المكفولة لها شرعًا وقانونًا.