1. بنك خبرات عالمي: تمتلك هذه الشركات معرفة واسعة مستمدة من تجارب متعددة في مختلف الدول والقطاعات، ما يتيح لها تقديم رؤى متطورة وحلول مستندة إلى أمثلة تاريخية.
2. رؤية طرف ثالث: كونها جهة خارجية، فهي قد تكون عينًا فاحصة جديدة من خارج المؤسسة، وقد تمنح الشركات الاستشارية تقييمًا موضوعيًا للمشاكل بعيدًا عن الانحيازات الداخلية.
3. تنظيم وتحليل معمّق: تساعد في تحسين آليات التخطيط واتخاذ القرار داخل الجهات المستفيدة. خصوصًا من تراكم المعلومات والداتا التي تملكها من عمل المشاريع المختلفة لسنوات طويلة.
4. شبكة علاقات دولية: تفتح الأبواب أمام فرص تعاون وشراكات عالمية.
5. إعادة الهيكلة الإدارية والموارد البشرية: تقدم حلولًا لإعادة تنظيم المؤسسات وتعزيز كفاءتها التشغيلية. لكن مقابل هذه الفوائد، هناك تحديات وسلبيات جوهرية، أبرزها:
1. استقطاب كفاءات من الصف الثاني: كثيرًا ما تُرسِل الشركات الاستشارية إلى الشرق الأوسط فرقًا لا تضم العقول الاستثنائية، بل مجرد منفذين للحلول التقليدية، أو الصف الثاني أو الجدد من موظفيها.
2. تشابك المصالح بين الشركات والموظفين: إحدى الإشكاليات الخطيرة التي أصبحت تتنامى في علاقة بعض الشركات الاستشارية بالجهات المستفيدة هي تشابك المصالح الداخلية، حيث قد تتحول هذه الشركات من مجرد مزود خدمات إلى لاعب رئيسي في رسم المسارات المهنية لموظفي تلك الجهات.
المعادلة واضحة: تمنحني المشروع (الدراسة الاستشارية) وسأضمن لك تزكية مهنية أمام رؤسائك أو المسؤولين في جهات أخرى، وعندما تقرر أيها الموظف الانتقال لجهة أخرى، ستجد من يوصي بك ككفاءة استثنائية، ليس بالضرورة بناءً على إنجازاتك الفعلية، بل بناءً على علاقاتك داخل منظومة الشركات الاستشارية. وبذلك، تتحول بعض هذه الشركات إلى «صياد مواهب خفي» (Headhunter)، ليس بهدف البحث عن الكفاءات الحقيقية، بل لترسيخ شبكات نفوذ ومصالح متبادلة.
والنتيجة قد تتحول التعاقدات مع الشركات الاستشارية إلى حلقة مغلقة من المصالح المشتركة، حيث يُعاد تدوير الوجوه نفسها في مشاريع مختلفة دون تحقيق قيمة فعلية. والترقيات والتوصيات المهنية تصبح مرتبطة بالولاء لهذه الشبكة، وليس بالكفاءة الحقيقية. والجهات المستفيدة تخسر استقلاليتها، حيث يصبح الاعتماد على الشركات الاستشارية ليس فقط في تقديم الاستشارات، بل في إدارة المشهد الوظيفي داخليًا وخارجيًا.. بمعنى آخر، «شرهونا بمشروع، وسنسعى لكم في وظيفة مرموقة لاحقًا!». وهذه الظاهرة إن لم يتم ضبطها، فإنها لا تؤدي فقط إلى هدر مالي وإداري، بل أيضًا إلى إضعاف المؤسسات وفقدانها لكفاءاتها الحقيقية، لصالح منظومة مصالح مغلقة لا تستند إلى الأداء الفعلي، بل إلى النفوذ والعلاقات.
3. التركيز على العروض التقديمية أكثر من النتائج: يطغى الاهتمام بالمظهر والتقارير المزخرفة على تحقيق نتائج ملموسة.
4. تضارب المصالح الدولية: باعتبارها كيانات أجنبية كبرى، فإن أجندتها قد تتقاطع مع مصالح دول أخرى، ما يثير تساؤلات حول حيادية بعض توصياتها.
5. إضعاف الكفاءات المحلية: الاعتماد المفرط على الشركات الاستشارية يقلل من فرص تطوير المواهب المحلية.
6. تكاليف مرتفعة مقابل فائدة محدودة: في كثير من الأحيان، تكون قيمة ما تقدمه الشركات الاستشارية أقل بكثير من حجم المبالغ المدفوعة لها.
7. ضعف التكيف مع البيئة المحلية: الحلول المستوردة لا تتناسب دائمًا مع الواقع المحلي، ما يجعل تنفيذها صعبًا أو غير فعال.
إذن السؤال المطروح هو كيف نعيد هيكلة الاستفادة من الشركات الاستشارية؟ لتحقيق أقصى فائدة من الشركات الاستشارية، لا بد من اتباع نهج أكثر دقة وانتقائية في التعامل معها، وقد يكون ذلك عبر:
1. الاختيار بناءً على التخصص: ليس كل شركة استشارية تجيد كل شيء، لذا يجب التعاقد مع الشركات ذات الخبرة العميقة في المجال المطلوب. معروف أن هذه الشركة متخصصة أو لها تاريخ ونجاحات في هذا المجال إذن يفضل استخدامها، وليس كل الشركات الاستشارية ناجحة في كل شيء مهما كبر اسمها !
2. تجنب تكرار الدراسات: إحدى المشكلات الجوهرية في التعامل مع الشركات الاستشارية هي إعادة طلب نفس الدراسات من جهات مختلفة، رغم أن المواضيع تكاد تكون متطابقة مع اختلافات طفيفة. هذا النهج يؤدي إلى هدر مالي ضخم، حيث تُدفع مبالغ طائلة لكل دراسة على حدة، بدلًا من الاستفادة من الدراسات السابقة وإجراء تعديلات طفيفة عليها عند الحاجة، أما لماذا يحدث هذا: غياب قاعدة بيانات مركزية: لا يوجد نظام تنسيقي يسمح بمشاركة الدراسات السابقة بين الجهات المختلفة، ما يؤدي إلى طلب دراسات جديدة كلما تغير الفريق الإداري، وعقلية «كل جهة تعمل بمعزل عن الأخرى»: بعض الجهات لا تستفيد من خبرات الجهات الأخرى، رغم تشابه التحديات والمواضيع. ومصالح بعض الشركات الاستشارية: تستفيد هذه الشركات من تكرار الدراسات، حيث تحصل على عقود جديدة بدلًا من تقديم حلول متطورة بناءً على دراسات سابقة.
3. استقطاب الكفاءات الحقيقية: يجب إلزام الشركات بجلب خبراء من الصف الأول، وليس فرقًا من حديثي التخرج الذين يكررون حلولًا معلبة. الشركات الاستشارية يجب أن تلزم بجلب العقليات الاستثنائية المعروفة لديها، وأيضًا تدريب الموظفين المحليين.
4. ضبط التكاليف وإعادة تقييم الفائدة: ينبغي وضع معايير صارمة لتحديد متى يكون اللجوء إلى الشركات الاستشارية مبررًا ومتى يكون مجرد إنفاق غير ضروري.
5. تفادي تضارب المصالح: يجب فرض قيود واضحة تحول دون تداخل المصالح بين الشركات الاستشارية والموظفين المحليين، سواء على مستوى التوظيف أو التوصيات المهنية.
قبل سنوات، كتبنا مقالًا تحت عنوان «نريد إنجازًا وليس باوربوينت!»، وقلنا فيه:
«تعاملنا مع كثير من أكبر الشركات الاستشارية في العالم ولسنوات، لا أذكر أحدهم أتى بفكرة خلاقة أو جديدة. إذا أردت أن تقول له هذا طير، فإن دراسة الجدوى ستقول لك: هذا طير، ولكن بطريقة جميلة. وإذا أردت أن تقول: لا، بل هذا فيل، فسيجعله لك فيلًا، لكن بطريقة جميلة أيضًا، وباستخدام باوربوينت مشع ومزخرف. الشركات الاستشارية تُستخدم كدرع حماية أمام الرؤساء إذا حصلت مشكلة في المشروع، وأيضًا البنوك تستخدمها كدرع أمام مجالس الإدارة إذا تعثرت القروض، والجميع مستفيد!».
وحتى اليوم، لا يزال هذا الوصف إلى حد، ما يعكس بعض الصور من الواقع، ما لم يتم إعادة النظر بجدية في كيفية التعامل مع هذه الشركات، بحيث تكون مكملة للجهود الوطنية وليست بديلًا عنها، ومساهمة في تطوير الأداء المؤسسي بدلًا من أن تصبح مجرد حلقة جديدة في دورة «إعادة التدوير».