إذا تأملنا اليوم أي مخطط نموذجي حديث في مدننا سنجد ما لا يقل عن ٦ مواقع بمساحات صغيرة مخصصة لبناء المساجد، وذلك بسبب تكريس أهمية الاصطفاف الجماعي للصلاة فتكون المساجد أقرب ما يمكن لأكبر عدد من المنازل!
والمعروف أن صلاة الجماعة تنعقد باثنين أو ثلاثة، ويجوز إقامتها في المنازل بل وتقبل صلاة المسلم منفردا وعلى أي حال، فما حاجتنا لبناء مساجد بهذا العدد تبقى مغلقة أغلب الأوقات ولا يكتمل فيها صف أو اثنين في أوقات الصلاة، وقد يأتي البعض إليها غير مهتم بهندامه وملابسه وكأنما الصلاة في المسجد روتين ثقيل يقطع عليه تسلسل أحداث يومه.
للأسف فقد تم تفريغ المسجد من مفهومه الإسلامي الحقيقي وتراجع بعضها عن دورها العلمي والاجتماعي بشكل كبير، فالمسجد كان عبر التاريخ مدرسة ومنارة للعلم والإرشاد ومساحة للنقاشات الفكرية وملاذا للعابرين والحائرين ومكانا للهدوء والتأمل.
إن مسجدا واحدا في كل حي سيكون أعظم تأثير من عشرة مساجد إذا ألحقت به مدرسة دينية ومكتبة ومركز اجتماعي يلتقي فيه أهالي الحي على موائد رمضان أو أثناء الأعياد ، وقد تخصص فيه قاعات للمناسبات الاجتماعية كعقد قران أو عقيقة مولود أو حالة عزاء، أو غيرها من الظروف التي يحتاج الإنسان فيها للمساندة والدعم والشعور بالانتماء لمجتمع متآخٍ يرعى بعضه بعضا. كما أعتقد أن وجود أماكن اجتماعية وحدائق في محيط المسجد ستجعله مكانا مميزا محبوبا وجاذبا للفئات العمرية الأكثر حاجة للتوجيه كالأطفال والشباب.
باتت المساجد اليوم في عزلة عن المجتمع، ليس لها أثر يذكر في الناس، وغالبية المساجد تفتقر للحراسة والأنظمة الأمنية والخدمات، وبعض موظفيها ذوو تأهيل فكري متواضع، مما يجعل المنبر في كثير من المساجد متراجعا عن واقع التغيير والتطور وغير مواكب للتحديات الفكرية والاجتماعية التي أنتجتها الحياة المعاصرة.
لا شك أن تطوير مفهوم وبنية وأهداف المسجد سيجعله مرفقا هاما من مرافق الحياة وجزءا من ذاكرة الأجيال، وممراً للقيم والأخلاق النبيلة والألفة بين أفراد المجتمع.
كما أن شمولية المسجد لأجهزة تعليمية وتثقيفية وتطوعية تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية مباشرة سيكون له أكبر الأثر في تعزيز الأمن الفكري وتحصين الأبناء باحتوائهم ضمن مجتمع أخلاقي واع ومتسامح.