في التاسع من نوفمبر الماضي كانت الذكرى الثانية والثلاثين لسقوط جدار برلين. فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وسقوط النازية، شهدت برلين الشرقية قيام دولة ألمانيا الشرقية وكانت تحت الوصاية السوفيتية، فيما أقيمت دولة ألمانيا الاتحادية في الشطر الغربي وكانت تحت وصاية دول الغرب. وكانت القوى العظمى المسيطرة على الجانبين تتنافس بحدة حتى وصلت الحرب الباردة إلى أوجها خلال تلك الفترة.

وقد تم بناء الجدار على امتداد 155 كلم ليكون جدارا فاصلا بين دول الشرق التابعة للاتحاد السوفياتي وبين دول الغرب والتي ترأسها الولايات المتحدة.

ورغم ذلك الجدار إلا أن الغرب لم يتوقف عن محاولة إسقاطه ومن ثم التغلغل شرقا من أجل إسقاط إمبراطورية الاتحاد السوفيتي، وقد نجح في ذلك في العام 1990 عندما تم تعيين هيلموت كول مستشارا لألمانيا الموحدة. وفي العام 1991 كان تفكك الاتحاد السوفياتي والإعلان عن استقلال الدول التابعة له، وكان هذا نجاحا للغرب على حساب الإمبراطورية الروسية.


ومن ثم قام الغرب بالاستئثار بالاقتصاد العالمي والتحكم في الدول التي تخرج عن طوعه من خلال عقوبات اقتصادية تنهكها وتشل قدرتها، بالإضافة إلى العمل على خلق الصراعات والاضطرابات في أجزاء متفرقة من أجل إحكام القبضة الغربية على جميع الموارد الهامة بالعالم.

ولكن روسيا ومعها الصين لم ترضخا لهذا النوع من الاستعمار الجديد، وسعتا دائما إلى خلق نظام عالمي جديد، ولعل الحرب الروسية الأوكرانية تكون بداية النهاية للنظام الدولي الذي سيطر على العالم منذ سقوط جدار برلين.

ولعلنا نلاحظ رغم كثرة الحروب والمآسي والضحايا أن الإعلام والتحالف الغربي لم يتحركا بكل قوتهما الإعلامية والعسكرية والاقتصادية كما تحرك في الحرب الروسية الأوكرانية.

إن المعركة التي يخوضها الغرب حاليا مع روسيا هي حرب وجودية، فإما أن ينتصر ويستمر مهيمنا على العالم وموارده، وإما أن يخسر هذه الحرب ليسقط ذلك النظام وتظهر بعده مجموعة من التحالفات والتي ستقضي على حالة القطب الواحد، بالإضافة إلى التحرر من الاستعمار والتبعية الاقتصادية، وذلك من خلال استحداث أنظمة مصرفية بديلة، واستبدال الدولار بعملات أخرى ليتم التحرر من العقوبات الاقتصادية التي سيطر بها الغرب على العالم.

ولعل هذه الحرب فرصة لبقية دول العالم لتعزيز اقتصادها وتقويته واعتمادها على مواردها بشكل كامل والتخلص من التبعية والديون.

وعلينا ألا ننسى الصين والتي لا تعاني من أي حروب وإنما تعمل بهدوء على زيادة نفوذها وتسعى بجدية إلى تغيير النظام العالمي الراهن.

وما يميز الصين أنها دولة شرقية لم تتأثر بالفكر الغربي. والصين تعتمد بشكل كبير على مبادئ كونفوشيوس والتي ترى أولوية الدولة والطاعة المطلقة، وأن الإنسان الفاضل لا يمكن أن يتمرد على من هو أعلى منه مكانة.

كما أن الصين أيضا تقدم مفهوما جديدا للنظام العالمي الجديد، وذلك ليس من خلال الحروب ولكن من خلال القوة الاقتصادية الناعمة، والتي وصلت بهدوء إلى جميع دول العالم.