المواجهة الروسية - الأمريكية ليست وليدة الأمس، وإنما عبر التاريخ كانت تحركها المصالح والتنازلات. ولم تكن يوما تلك الحروب والتدخلات لنصرة المظلومين أو لتحقيق الحريات والديمقراطية المزعومة. ففي 1991، وعد بوش الابن مع حرب الخليج بنظام دولي تسوده العدالة والمساواة بين الدول، وهذا الوعد لم ولن يرى النور، في ظل التعاطي مع الأمور بالطرق الحالية.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، وإنشاء ما يسمى «عصبة الأمم المتحدة» في 1945، تم احتكار القرار العالمي الذي يحدد مصالح الشعوب والمجتمعات من قِبل خمس دول، فأصبحت جميع القرارات يتم اتخاذها وفق مصالح تلك الدول ومصالح حلفائها. ومن خلال المجلس نفسه، يتم توزيع الأدوار، ولعب مسرحية الخلاف والاختلاف فيما بينهم باستخدام ما يسمى «الفيتو» الذي لا يتم استخدامه إلا وفق مشاورات واتفاقات مسبقة.

ومنذ تأسيس مجلس الأمن إلى يومنا هذا، لم يستطع هذا المجلس حل أي مشكلة، بل كان سببا في تفاقم الأمور والمآسى، بدءا من حرب فيتنام، مرورا بالنزاع الكوري، ثم حرب أفغانستان وتدمير العراق، واجتياح سوريا وخراب ليبيا وضياع اليمن، وقبل ذلك تلك القضية التي ما زالت عالقة منذ عقود، وهي قضية الشعب الفلسطيني.


في 1979 كانت عملية «الإعصار» للمخابرات الامريكية، لمواجهة الاجتياح الروسي لأفغانستان، وتم تحويل أفغانستان لفيتنام أخرى، وتم دعم الجماعات الإسلامية المتشددة على الرغم من اختلاف مذاهبها. كانت عملية ظاهرها الجهاد المقدس، وباطنها مصالح الدول العظمى، واستطاعت أمريكا إيقاف الاجتياح الروسي دون أن تفقد جنديا واحدا، ومن ثم انقلبت الأمور رأسا على عقب مع الاجتياح الأمريكي أفغانستان، واحتلاله لأكثر من عشرين عاما. ومع خروج الروس والأمريكان من أفغانستان، ظل البلد فقيرا وممزقا وأكثر جهلا وتخلفا. ثم كان تدخل الأمريكان في العراق مع حصول الروس على ثمن السكوت، فأصبح ذلك البلد الرغيد فقيرا ومفتتا، ومن ثم رأت روسيا أنها لم تحصل على نصيبها من الكعكة الليبية التي اقتسمها الغرب، فتدخلت بكل قوتها في النزاع السوري، وفرضت هيمنتها على البلد، وأصبحت الحاكم الفعلي لكل القرارات.

أما أوكرانيا، فقد كانت حجر الزاوية في تفتت الاتحاد السوفيتي، وذلك عندما صوتت بالاستقلال في 1991. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، توغل «الناتو» شرقا.

وفي 2004، التحقت جمهوريات البلطيق السوفيتية كإستونيا وليتوانيا بـ«الناتو»، ومن ثم أعلن الحلف لاحقا عرض عضويته على أوكرانيا، وكان هذا تجاوزا للخطوط الحمراء الروسية، ويستدعي ردا حازما، وهو ما فعله بوتين الذي يرى أن هذا التوسع لـ«الناتو» تهديدا وجوديا لروسيا.

ففي 2014، وبدعم من الغرب، تم إقصاء الرئيس الأوكراني، المقرب من روسيا، الذي رفض توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، فكان الرد الروسي آنذاك قويا بضم شبه جزيرة القرم، وإثارة التمرد الانفصالي في شرق أوكرانيا. والآن شعب أوكرانيا تحت القصف الروسي، يدفع ثمنا غاليا، ومجلس الأمن يمارس دوره في الشجب والاستنكار.

وأخيرا.. ستظل الشعوب والدول تدفع الثمن غاليا ما دامت أحجارا على رقعة الشطرنج، تتلاعب بها الدول العظمى وفق مصالحها ورغباتها.