يؤدي إدمان المواد المخدرة إلى ما يعرف بمتلازمة التبعية والتي تعكس مجموعة من الظواهر السلوكية والفسيولوجية والتي تتطور مع الاستخدام المتكرر لتلك المواد، وتظهر في رغبة قوية في الاستمرار في عملية التعاطي رغم العواقب الضارة حتى يصل المدمن إلى مرحلة من الاعتماد الكلي. والإدمان هو حالة من الاعتماد النفسي والجسدي على تعاطي المواد المخدرة مع زيادة الجرعات تدريجيًا ويترتب على ذلك الأضرار الفردية والأسرية والمجتمعية. وفي المملكة يعد الحشيش والكبتاجون والهيرون من المواد الأكثر انتشارًا بين المتعاطين. وتظهر أعراض الإدمان في مجتمعنا بأعراض المضاعفات النفسية، والأعراض الذهنية كفقدان التركيز، الإصابة بالأمراض الجنسية والتفكك الأسري مع ارتفاع حالات الطلاق والميول للجريمة.

قبل أيام كانت فعاليات حفل (منزل منتصف الطريق) بمستشفى إرادة بجازان ومنتصف الطريق هو أحد برامج الشراكة المجتمعية بين الصحة وبعض رجال الأعمال وجهات حكومية أخرى كإدارة المخدرات والموارد البشرية ويركز المشروع على إعادة تأهيل المتعافين وضمان عدم عودتهم لمرحلة الضعف والاعتماد على المخدر. كان أفراد الفريق يحتفلون بعودة 211 شابًا إلى حياتهم الطبيعية وإلى أسرهم ومجتمعهم، بل وكانوا يحتفلون أيضًا بأن السواد الأعظم من هذا العدد أصبح ضمن البرنامج كمشارك ومرشد في عملية التأهيل للراغبين في بدء حياة جديدة. وشارك البعض من أولئك المتعافين قصصهم المؤلمة من تشتت للأسرة وطلاق وارتكاب للجريمة ودخول للسجن قبل أن يضع أولى خطواته على منتصف الطريق ويسير بخطى ثابتة نحو حياة أخرى أعادته للأسرة والمجتمع، وجعلت منه عضوًا فاعلًا ومؤثرًا في منطقته. ولعل الشيء المؤلم في تلك التجربة الرائعة كان سماع أن هناك العديد من الشباب الذين يرغبون في الانضمام لهذا الطريق إلا أن القدرة الاستيعابية للمنزل حالت دون ذلك مما يؤكد الحاجة إلى مزيد من المشاركة المجتمعية من رجال الأعمال والمتطوعين والجهات الحكومية ذات العلاقة في دعم البرنامج. وعلينا أن نتذكر أن بناء المسجد والمدرسة هي من أعمال الخير العظيمة ولكن إصلاح المجتمع وتقويمه ومساندة شبابه ووقايتهم من كل التحديات التي قد تؤثر في مستقبلهم هو من أعظم أعمال الخير وأفضلها.

إن برنامج منتصف الطريق يبدأ من العلاج الطبي المكثف لإزالة السموم ومن ثم إعادة التأهيل في منزل منتصف الطريق والذي يتسع لـ 60 متعافيًا، ليمكث فيه المتقدم من ستة أشهر إلى سنة ويمارس أنشطة يومية ترفيهية مع رحلات داخلية وخارجية وقراءة وأعمال منزلية، وذلك في عملية تهيئة للمتعافي قبل خروجه للمجتمع مرة أخرى وتجنيبه العوامل التي قد تؤدي إلى انتكاسة أخرى. لقد وفر البرنامج فرص الحج والعمرة وتسهيل الحصول على الوظائف وعودة الطمأنينة لكثير من الآباء والأمهات والأبناء والزوجات. وحتى نكون منصفين فإن الأبطال الحقيقيين لهذا المشروع هم أولئك الذين كانت إرادتهم قوية فقرروا إصلاح مستقبلهم. لقد كانت قرارات مصيرية تحتاج إلى عزيمة وقناعة ولعل المحرك الأكبر لكل هذا كانت تلك المآسي التي عاشوها والأمل الذي ظلوا يحلمون به.