إن التغيير الحقيقي يجب أن يتلمس احتياجات العصر ومواكبة الآخرين مع التسلح بالمناعة الفكرية ضد تلك الانتقادات والآراء التي تحاول تثبيط الهمم وإيقاف عجلة التغيير. إن التغيير الحقيقي هو عندما نجد أن الدولة والمجتمع يتغيران وفق ثوابت لا تسمح بأي اغتراب فكري أو سلب لتلك القيم والمبادئ التي تميز هذا المجتمع عن غيره. بالأمس كنا نتعرض للانتقادات بسبب الانغلاق وعدم الانفتاح ويكثر الحديث عن حقوق الإنسان والمرأ،ة واليوم، ومع الانفتاح الكبير الذي تعيشه المملكة ما زالت هناك أصوات تمارس النقد ومحاولة التقليل من مكتسبات التغيير والتقدم.
إن التغيير الذي نعيشه صادر عن التعصب الفكري للطائفية والمذهبية والقبلية مع الحفاظ على ثوابت ومبادئ راسخة لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها. إن الأزمات التي تعاني منها الكثير من الأوطان كضعف الموارد والمشاكل الاقتصادية والمالية يمكن أن يتم تجاوزها عندما تظل الهوية والقيم والثوابت المجتمعية، ولنا أمثلة في دول مثل اليابان وسنغافورة والصين في فترة سابقة ودول الخليج حاليًا بعدما تعرضت له من تحديات ومصاعب. كما علينا أن نعرف أن مخاطر التغيير لا تقتصر على التهديدات الخارجية، ولكن قد تكون في تهديدات داخلية تشمل تلك الفئة التي ما زالت تعاني من متلازمة الطائفية والمذهبية والقومية، ولعلنا هنا نتذكر تلك الدول التي تحررت من الاستعمار وظنت أنها حققت التغيير ولكن ظل الفكر يرزح تحت مبادئ الإمام المنتظر والخلافة المنتظرة!!
التغيير الذي نشهده حاليًا في الخليج بصفة عامة وفي المملكة العربية السعودية بصفة خاصة هو فريد من نوعه. استطاعت فيه الحكومات والمجتمعات اعتناق الأفكار التي تؤمن بالتطور والتقدم ولم تنفصل عن تاريخها وماضيها بل جعلته منسجمًا ومتناغمًا مع كل جديد وبالتالي لم نفقد الهوية مع كم التغيير الهائل الذي نشهده. إن المحافظة على قيمنا وتراثنا وتاريخنا لم يكن مبررًا للانغلاق أمام معطيات الكون المتحرك والمتغير. نعم عشنا فترة طويلة كان التشدد يسيطر على المشهد ويرفض الحوار والتغيير ولكن سرعان ما تمت السيطرة على ذلك الفكر ومحاربته واجتثاثه لنعود للوسطية التي كانت وما زالت أمانًا للشعوب والمجتمعات.
وللأسف أن ما نتعرض له من انتقاد حاليًا ليست سوى أصوات حاقدة تريد أن يكون تجديد الأفكار والمبادئ وفق نظرتهم وأن يتم الانصهار والذوبان في معتقداتهم وأفكارهم وأن يكون عملية استنساخ دون تفكير، يريدون منا تغييرًا لا هوية ولا قيمة له، ويتناسون أننا دولة نهجت الاعتدال بين الجديد المستمر وبين التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية والمجتمعية.