لا شك أن محاولة طمس الاختلافات والفروقات الثقافية بين المجتمعات تتعارض مع الفكر العقلاني، بل يمكن أن نعتبرها نوعا من الاستعمار الجديد، وذلك عندما نسهل عملية هيمنة ثقافة معينة على ثقافات الشعوب الأخرى. أن المعارف والمعتقدات والفنون والأخلاقيات والتقاليد العظيمة والقيم الاجتماعية للمجتمعات هي إرث يصعب التفريط فيه أو التخلي عنه. وبالتالي فإن محاولات إلغاء ثقافة المجتمعات ليس سوى نوع من العبث الذي تنهجه بعض الدول. في جزيرتنا العربية نفخر بلغتنا ولهجاتنا المختلفة ورقصاتنا بالسيف والخنجر وبأسلوب الكرم الحاتمي وبحياة الخيمة والناقة، وبذلك الشماغ الذي يجعل لنا خصوصية بين المجتمعات الأخرى، ونحتقر أولئك الجهلاء الذين يستخفون بثقافاتنا أو ينتقصون منها. ونعترف أيضا أن هناك بعض التقاليد البالية التي قد تتعارض مع متطلبات المستقبل، ولكن ذلك ليس عذرا لطمس ثقافة أي مجتمع. إن احترام ثقافات الشعوب واختلاف الديانات والحضارات هو إرث لذلك المجتمع ولا يحق للآخرين اقتسامه أو إزالته.

بعض المنصات والقنوات في الانترنت استطاعت أن تستحوذ على اهتمام كثير بما تعرضه من أفلام ومسلسلات تسهم بشكل كبير في التأثير على العقول غير الناضجة من خلال التطرق للأمور النفسية والاجتماعية والاقتصادية، متبعة نهج قلب الحقائق وأن تجعل المجرمين أبطالا وتجعل من ممثلين في الظل نجوما بين ليلة وضحاها، ولعلنا نتذكر عدة مسلسلات وافلام وبرامج خلال الفترات الماضية أثارت جدلا كبيرا في بلدان مختلفة. ويبدو هذا النهج كأنه عملية تصدير لثقافة معينة إلى البلدان الأخرى من دون الاهتمام بموروثها وثقافتها. فمثلا من غير المقبول الترويج أن الشخص المثلي ليس إلا شخصا ظلمه المجتمع وأن له كل الحق في ممارسة شذوذه، وعلى المجتمع أن يتقبل ذلك من دون اعتراض أو انتقاد. كما أن الترويج في هذه المنصات لتجار المخدرات ورجال العصابات على أنهم مثل عليا يجب الاقتداء بها، وتسطير سيرهم الذاتية كأبطال في ذاكرة التاريخ هو نوع آخر من سقطات بعض شبكات الانترنت. وأخيرا لعلنا نثق ونراهن كثيرا على عقلية المجتمعات التي أصبحت أكثر نضجا وفهما وإدراكا ومناعة لكل ما يدور حولها من محاولات لاستعمارها والسيطرة عليها.