النظام الجديد يمثل ومضة مشرقة تضاف إلى السجل المشرق لهذه البلاد وقيادتها الرشيدة، ويثبت من جديد أن المملكة تنطلق في جميع تعاملاتها وقراراتها من تعاليم دينها الحنيف الذي أوصى برعاية كبار السن، لا سيما الوالدين، وجعل طاعتهما من طاعة الله سبحانه وتعالى، ووضع العقوق كثاني أكبر المعاصي بعد الشرك بالله.
كما أثبت أن السعودية حريصة على حفظ تقاليدها العريقة وعاداتها الحميدة، التي تجعل الإحسان إلى كبار السن ضمن الخطوط الحمراء التي لا يسمح بالاقتراب منها.
كذلك فإن النظام الجديد يعيد التأكيد على أن الطفرة التشريعية التي تعيشها بلادنا في هذا العهد الزاهر تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - لم تنبع من فراغ، ولم تكن تماشيا أو تماهيا مع ضغوط خارجية، إنما نبعت من رغبة داخلية في تطوير المجتمع وحفظ الحقوق، والدليل على ذلك هو أنه بينما يهتم العالم بحقوق الطفل والمرأة، وهي الجوانب التي أوفتها المملكة، فإنها لم تنس أيضا أن تلتفت إلى فئة غالية أفنت شبابها وحياتها في خدمة هذه البلاد، وقدمت الكثير، ولذلك كان النظام الجديد حافظا لحقوقها وضامنا لها.
الدافع الرئيس، إضافة إلى ما سبق، من وجهة نظري يتمثل في الفهم المتقدم الذي تمتلكه القيادة السعودية، بأن إكمال مهمة صيانة حقوق الإنسان تتطلب النظر إلى تلك الحقوق بمفهوم شامل وواسع، بحيث لا تستثني أي فئة من المجتمع، وذلك لأن هذا الالتزام لم يعد في هذا العصر خيارا يمكن أن يتجاوزه البعض، بل أصبحت التزاما لا يمكن الفكاك منه.
اللافت في مشروع النظام أنه أتى متكاملا،ولم يترك شاردة ولا واردة إلا وأوفاها حقها، فقد نص بوضوح على أن حقوق كبار السن لا تشمل فقط مجرد الأكل والشرب والمأوى، بل تمتد لتشمل جوانب نفسية ومعنوية كبيرة، في مقدمتها الحق في الحصول على فرصة عمل تتناسب مع أعمارهم، وإشراكهم في جميع تفاصيل الحياة المجتمعية، من رعاية صحية وترفيه وبرامج ثقافية وغير ذلك، لأن بلوغهم سنا متقدمة لا يعني أنهم فقدوا الصلاحية أو القدرة على العمل والإنتاج، بل إن الخبرات التي اكتسبوها تمثل كنزا كبيرا ينبغي الحفاظ عليه.
كذلك منح النظام الجديد من تقدموا في العمر الفرصة في اختيار نوع الرعاية التي يريدونها، سواء كانت في منازلهم أو مع أبنائهم أو داخل دور الإيواء الاجتماعي، حتى يقطع الطريق على بعض القلة من الذين ابتلاهم الله بالعقوق، وصاروا يتهربون من بر آبائهم بإيداعهم دور الرعاية رغما عنهم، رغبة في التخلص منهم ، أو تمهيدا للاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم التي اكتسبوها بعرق جبينهم وكفاحهم. لذلك منع النظام دور الرعاية من إيوائهم إلا بعد موافقتهم، أو صدور حكم قضائي بذلك.
حتى الخدمات التي تقدمها دور الرعاية، فقد تشدد النظام الجديد في ضرورة مراجعتها وتطويرها باستمرار، وإجراء البحوث والدراسات اللازمة لذلك، إضافة إلى إلزام القائمين على المرافق العامة مثل الأسواق والمولات وحتى المساجد، بتوفير بيئة مناسبة لكبار السن، تراعي احتياجاتهم وظروفهم وضعف قوتهم.
من أكثر ما لفت نظري هو أن المجتمع السعودي - ولله الحمد - من المجتمعات التي عرفت بحفظ حقوق كبار السن، وغالبية أفراده يحرصون على الوفاء لوالديهم وأقاربهم، ولا يبخلون عليهم بأي مال أو وقت أو جهد، لكن رغم ذلك يأتي النظام الجديد ليرسخ تلك المفاهيم، ويؤطرها في إطار قانوني ملزم، وهذا امتداد بالغ الأهمية لسياسة الحوكمة، وترسيخ الثقافة القانونية وجعلها جزءا من ثقافة المجتمع.
ومع التقدير التام لمن يبذلون جهدهم في رعاية والديهم وأقاربهم ،ويقومون بما تتطلبه العناية بهم، إلا أن البعض يحرص على توفير الأمور المادية فقط، من مأكل وملبس وعلاج، ويتجاهل جوانب أخرى قد تكون أكثر أهمية وهي الجانب المعنوي، فآباؤنا الذين كنا نهرع إليهم صغارا لأخذ مشورتهم ونصيحتهم ،لا ينبغي بين عشية وضحاها أن نتعامل معهم وكأننا لسنا في حاجة إليهم، وأن رصيدهم من الأهمية قد نفد، وكأننا بذلك نقول لهم إن عليهم فقط انتظار الأجل والموت.
لا بد من التعامل معهم بصورة إنسانية أكثر من ذلك، وأن نكثر من الحديث إليهم والاستماع لوجهات نظرهم، حتى إن كنا لسنا في حاجة إليها، فذلك مما يشعرهم بقيمتهم ويمنحهم مبررات البقاء وأسباب الصحة.
فالإنسان ليس مجرد آلة تنتهي قيمتها بانتهاء الحاجة إليها، بل هو مجموعة مشاعر وأحاسيس، وكلنا على هذا الدرب سائرون، ومن بر والديه فقد وضع رصيد الخير في حسابه، ومن ابتلاه لله بالعقوق فقد اختار لنفسه أسوأ مصير.
ختاما فإني على ثقة ويقين بأن دولة تهتم بأفرادها وإنسانها، ولا تنسى قيادتها في غمرة الانشغال بشؤون السياسة والحكم الاهتمام بكبار السن، وتعمل حريصة على تحسين جودة حياتهم وصيانة كرامتهم، والإيفاء بمتطلباتهم ،لن تعرف - بإذن الله - سوى المزيد من الرفعة، ولن يكون مصيرها سوى التقدم والرفعة، ولن تتنازل عن الصدارة.