في نوفمبر الماضي اجتمع قادة العالم بقيادة الأمم المتحدة في قمة 26 F جلاسكو الأسكتلندية لمناقشة التغير المناخي وآثاره في كوكب الأرض، وخلصت التقارير إلى التحذير من تسارع ارتفاع درجات الحرارة، وكارثة لا تقل سوءاً عن جائحة كورونا، وربما تفوقها ضرراً لاستمرارها سنوات طويلة، والظواهر المناخية المتطرفة التي سيشهدها العالم بوتيرة أسرع خلال العقد القادم.

والتقرير أشار بنبرة واضحة إلى التأثير البشري الذي أدى لزيادة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري المتسببة في ارتفاع حرارة الأرض، وأن موجات الحر أصبحت أكثر شدة، حيث سجلت السنوات الخمس الماضية درجات حرارة هي الأكثر على الإطلاق منذ بدء عصر الصناعة عام 1850، ويتوقع ارتفاعها إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما بين عامي 1850-1900 بحلول عام 2040، ما يهدد بحدوث ظواهر مناخية متطرفة غير مسبوقة في التاريخ، تتمثل بالأمطار الغزيرة في أماكن من العالم، وموجات جفاف وتصحر في أماكن أخرى.

من عمق تلك التقارير الفظائعية تدخل الدراما في فيلم «لا تنظر إلى السماء» الذي أنتجته شركة نتفليكس وانطلق عرضه بشكل مقصود بعد شهرين من القمة، أي بداية يناير 2022، في رسالة قوية بعدم الاستخفاف بتلك الدراسات والمؤتمرات. الفيلم يتحدث عن عالمي فلك يكتشفان اقتراب مذنب هائل من كوكب الأرض، ويحاولان تحذير الرئاسة والناس من اقتراب النهاية بعد أقل من ستة أشهر، في إشارة مباشرة وغير مباشرة لقضية التهديد المتمثل بالتغير المناخي، الذي تسبب فيه استهتار البشرية، والذي تم رسمه دراميا من خلال الدور العبثي للنجمة العالمية ميريل ستريب، كرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية وسخريتها من المذنب هي وابنها، في إشارة للدور الذي لعبه الرئيس السابق ترمب إزاء قضايا المناخ.


كما يبرز الفيلم الدور المؤثر الذي تلعبه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كواحدة من أقوى المؤثرات الحديثة.

وجاءت في الفيلم سخرية المؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي واستخفافهم بعالمي الفلك، لكن في النهاية صدقت حقائق العلماء وانتهت البشرية. الفيلم وإن بدا ساخرا إلا أنه سبب ضجة كبيرة في أمريكا، أبدع في نشر الرسالة التحذيرية بشأن إيقاف التدهور البيئي العالمي، الذي لا أحد يجرؤ أن ينفي احتمال حدوثه في أي وقت من الأوقات.

في الحقيقة عندما ننظر للواقع نرى أن آثار تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض باتت ملموسة بشكل واضح، خصوصاً في العقد الأخير، حيث نشهد سنوياً كوارث طبيعية عالمية من فيضانات وأعاصير مدمرة، وحرائق غابات، وجفاف وتصحر مساحات واسعة من الأراضي، وشحٍ في المياه، وما رافقه من تدهور في الزراعة وتهديد للأمن الغذائي، وما ينذر به ارتفاع منسوب البحار من غرق مدن بأكملها.

ولعل الفيضانات التي اجتاحت أوروبا والصين خلال الصيف الجاري، وما خلفته من دمار واسع، نتيجة الأمطار الغزيرة، وحرائق الغابات التي شهدتها تركيا واليونان وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، هي جرس إنذار لكوارث أشد عنفاً، وستلقي عواقبها على معظم اقتصادات العالم، وكأن الفيلم يريد أن يقول كورونا ليست النهاية، هناك جائحة جديدة تلوح في الأفق هي جائحة التغير المناخي.