من هنا نسمع البعض يتساءل عن الهوية الدينية للسعودية الجديدة، وأيا كانت النوايا وراء هذا السؤال، فهو سؤال مشروع لاعتبارات كثيرة، فالسعودية منبع الإسلام ومصدره الجغرافي وجذره الإنساني، تضم أرضها قبلة المسلمين ومقدساتهم وتاريخهم، كما أنها الدولة التي قامت على مبادئ الإسلام واتخذت منه دستورا ومنهاج حياة.
وللإجابة عن هذا التساؤل، لا أجد أفضل من تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مهندس الرؤية الوطنية والمعبر عن روحها وقيمها، وهو الذي تحدث في هذا الشأن أكثر من مرة. فمن منا ينسى تصريحه الشهير حول الصحوة حين قال «لن نضيع ثلاثين سنة من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة»، تلى ذلك تصريحه حول ما سماه إعلام «الإخونج» في إشارة للإعلام المسيء للسعودية. كما أجاب عند سؤاله عن إيران بقوله «إنه لا توجد أرضية مشتركة للتفاهم مع مشروع إيران الأيديولوجي القائم على فكرة تخريب المنطقة تمهيدا لظهور المهدي».
نرى في التصريحات السابقة بوضوح ملامح الطلاق البائن بين السعودية والإسلام السياسي بكل أشكاله ومذاهبه ومشاربه.
وعلى الجانب الآخر نتأمل تصريحا آخر لسموه قال فيه: «السعودية لم تكن هكذا قبل انتشار مشروع الصحوة عام 1979، ونحن فقط نعود للإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم». وفي حديث آخر أكد أن السعودية ملتزمة بالقرآن دستورا لها فقال «دستورنا هو القرآن، كان وما زال وسيستمر للأبد»، وقال في شأن القضاء «نحن كحكومة والشورى كمشرع والملك كمرجع للسلطات ملتزمون بتطبيق القرآن بشكل أو بآخر ولكننا في الشأن الاجتماعي والشخصي لن نطبق عقوبة بدون نص قرآني أو نص صحيح متواتر من السنة النبوية».
عندما نجمع هذه التصريحات المتفرقة في أحاديث ولي العهد، نتبين خارطة طريق متكاملة تشير إلى أن السعودية اكتشفت تماما خطر الإسلام السياسي على أمنها وشعبها واقتصادها، وأنه أصبح واضحا لدى السعوديين أن الإسلام السياسي كان سببا في انتشار الإرهاب وتراجع النهضة وهدر الثروات واختراق أجهزة الدولة واستفزاز المجتمع. لكننا في الوقت نفسه، ملتزمون بدين الإسلام الهوية الجامعة للسعوديين والأساس الذي قامت عليه منظومتنا الأخلاقية والاجتماعية. ملتزمون بالإسلام كمصدر تشريعي للحكم والقضاء والمعاملات وكقيم إنسانية وروحية تقود الناس لمعاني الخير والسلام والإخلاص في العمل، واحترام المعرفة والتعامل العادل مع كل البشر دون تمييز.
وفي ظل هذه المفاهيم الإصلاحية لسمو ولي العهد نرى السعودية الجديدة وقد أصبحت الواجهة الحضارية للإسلام، فهي ترفع شهادة التوحيد على رايتها الخضراء، وتحمل مشروعها الطموح الذي يبعث رسائل الحياة ويرفع تلويحة السلام للعالم، يفتتح- إن جاز التعبير- عصر أنوار شرق أوسطي جديد سيكون له ما بعده.