ومنذ دخلت الانتفاضة منعطف أسبوعها الثاني انضمت إليها مدن ومحافظات أخرى وسعت رقعتها، فقد تجمع أهالي وشباب مدينة أليكودرز بمحافظة جهارمحال وبختياري وأشعلوا حريقا في ساحة الشهداء وسط المدينة، وأطلقت قوات القمع الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشد. وعندما واجهوا مقاومة من المتظاهرين أطلقوا النار على الأهالي وسقط عدد من القتلى والجرحى. إلا أن شباب الانتفاضة دفعوا الشرطة والقوات الخاصة إلى الوراء من خلال عملية الكر والفر ورشقها بالحجارة وهم يرددون شعار «الموت لخامنئي». واستمرت العملية حتى وقت متأخر من الليل.
كما نظم أهالي شاهين شهر في محافظة أصفهان تجمعا احتجاجيا دعما لانتفاضة أهالي خوزستان مرددين شعار هيهات منا الذلة و»دعم خوزستان». كما اجتمع أهالي بلدة جنقان في محافظة جهار محال وبختياري لدعم المواطنين في خوزستان وأعربوا عن دعمهم انتفاضة أبناء خوزستان بشعارات مثل، «روحي فداء تراب إيران، روحي فداء مواطني خوزستان العطشى، روحي فداء أبناء خوزستان العطشى وروحي فداء محمد مصدق الفقيد».
كما تظاهر أهالي مدينة حر التابعة لقضاء دزفول وقاموا بإحراق الإطارات وإغلاق الطريق الرئيسي بالمدينة. كما تظاهر شباب منطقة الحايي (شمال الأهواز) على طريق الأهواز - شوش. واحتج شباب الانتفاضة في منطقة دغاغلة بالأهواز على نقص المياه بعد إغلاق الطريق. وتجمعت مجموعة من سيدات الأهواز أمام مكتب الحاكم للاحتجاج وهتفن «أرادوا إذلالنا لكن لم نخضع للإذلال» و»نضحي بدمائنا وأرواحنا من أجل كارون». وفي الوقت نفسه، نظم شباب مدينة لالي (شمال خوزستان) مظاهرات وهتفوا «نحن، أهل خوزستان، جميعنا ننتفض على الظلم».
مناشدة المرشد
مع نهاية الأسبوع الأول من الانتفاضة واتجاهها نحو التمدد على الرغم من القمع الإيراني، حاول المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الجمعة، التدخل بمناشدة سكان خوزستان عدم توفير «ذريعة» لأعداء إيران، وكأنهم يحملهم مسؤولية ما يجري، ويبرئ النظام من المأساة التي قادت إلى الاحتجاجات التي استحقت تسمية «احتجاجات العطشى».ومنذ 15 يوليو الحالي، تشهد المحافظة الغنية بالنفط والواقعة في جنوب غربي إيران عند الحدود مع العراق، احتجاجات على خلفية شح المياه. وفيما يتهم مسؤولون إيرانيون «انتهازيين» و»مثيري شغب» بإطلاق النار على المتظاهرين وعناصر الأمن، قالت منظمات حقوقية دولية الجمعة الماضية إن قوات حفظ النظام استخدمت «القوة المفرطة» ضد المحتجين، وأن حصيلة الضحايا أعلى من الأرقام الرسمية.
وأقر خامنئي في بيات نشره موقعه الإلكتروني بأن «مشكلة المياه ليست صغيرة، خاصة في ذلك المناخ القاسي لخوزستان»، حيث يمكن لدرجات الحرارة في الصيف أن تناهز الخمسين مئوية.
إقرار إيراني
انتظرت وسائل الإعلام والجهات الرسمية الإيرانية نحو أسبوع منذ اندلاع الاحتجاجات لتقر بوجودها، ولتعلن أيضا عن أرقام مخففة من القتلى، وأفاد الموقع الإلكتروني للتلفزيون الرسمي «إيريب نيوز» أنه «اندلعت أعمال شغب في شوارع أليكودرز (في محافظة لورستان) استمرت لساعات»، تخللها «إطلاق نار مشبوه من عناصر مجهولين»، أدى إلى مقتل شخص في العشرين من عمره وإصابة اثنين آخرين.
وأشار التلفزيون الى أن مشاركين «زعموا أنهم نزلوا الى الشارع على خلفية مشاكل المياه في خوزستان»، وأضاف أن الأمور عادت إلى طبيعتها بعد تدخل قوات الأمن، من دون أن يوضح ما إذا كانت مواجهات قد وقعت بشكل مباشر بينها وبين المحتجين في لورستان. وباستثناء الشرطي والمتظاهر، لم تحدد وسائل الإعلام المحلية بدقة ما إذا كانت الضحيتان الأخريان من المتظاهرين.
الفيديو يثبت الاعتداء
خلال الأيام الماضية، بثت قنوات ناطقة بالفارسية خارج إيران، مقاطع فيديو قالت إنها لاحتجاجات في مناطق عدة من خوزستان، مشيرة الى أن قوات الأمن تعاملت بالشدة مع المحتجين. لكن وسائل إعلام محلية قللت من أهمية هذه التقارير.
وأظهرت المقاطع مئات الأشخاص يتظاهرون في الشوارع مرددين هتافات تنتقد السلطات، بينما أحاط بهم عدد من عناصر شرطة مكافحة الشغب. وفي بعض المقاطع، يمكن سماع ما قد يكون صوت إطلاق رصاص.
وأكد الرئيس حسن روحاني أن الاحتجاج «حق طبيعي» لسكان خوزستان، وقال في كلمة متلفزة، الخميس، إنه «لحق طبيعي (لسكان خوزستان) أن يتحدثوا، أن يعبروا، أن يحتجوا وحتى أن ينزلوا إلى الشوارع في إطار القانون».
موقف داعم
مع نهاية الأسبوع الأول للانتفاضة أعلنت الولايات المتحدة أن من حق الإيرانيين التعبير عن استيائهم «من دون خوف من أعمال عنف أو توقيفات عشوائية».
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جالينا بورتر «فاقمت سنوات من الإهمال الحكومي وسوء إدارة الموارد المائية أسوأ جفاف تشهده إيران منذ خمسين عاما على الأقل».
وتابعت «للشعب الإيراني الحق في التعبير عن إحباطه ومساءلة حكومته».
كما اتهمت منظمات حقوقية دولية، طهران باعتماد «القوة المفرطة» في التعامل مع الاحتجاجات، وقالت منظمة العفو الدولية إنها تأكدت من مقتل 8 أشخاص على الأقل من المتظاهرين والمارة، بينهم مراهق.
واعتبرت أن قوات الأمن عمدت «بشكل غير قانوني» لاستخدام «الذخيرة الحية وخرطوش الصيد» في التعامل «مع تظاهرات سلمية في غالبيتها».
من ناحيتها قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن السلطات استخدمت على ما يبدو «القوة المفرطة ضد المتظاهرين»، داعية الحكومة الإيرانية إلى إجراء «تحقيق شفاف» في الوفيات المفترضة.
كما أشارت المنظمة، ومقرها نيويورك، إلى تقارير عن انقطاع الاتصال بالإنترنت.
الشعور بالتمييز
تعد خوزستان المطلة على الخليج، أبرز مناطق إنتاج النفط في إيران وإحدى أغنى المحافظات الـ31، كما أنها من المناطق القليلة في إيران التي تقطنها أقلية كبيرة من السكان العرب.
وسبق لسكان المحافظة أن اشتكوا تعرضهم للتهميش.
في 2019، شهدت خوزستان احتجاجات مناهضة للحكومة طالت أيضا مناطق أخرى من البلاد، واعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الجمعة، أن "الشعور بالتمييز هو أكثر إيلاما من الجفاف وشح المياه".
وأبدى المسؤول المتحدر من خوزستان أسفه لأن سكان المحافظة لم يستفيدوا "من الشركات النفطية والوحدات الصناعية الكبرى" الموجودة فيها.
بدورها، قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه "من الأفضل أن تعالج السلطات الإيرانية مشكلة شح المياه بدلا من قمع الاحتجاجات بالعنف".
وأضافت "على الحكومة التركيز على تأثير الأزمة الرهيبة لندرة المياه في حياة سكان خوزستان وصحتهم وازدهارهم، وعلى احتجاجات المواطنين اليائسين بعد سنوات من الإهمال".
واتهمت باشليه الحكومة الإيرانية بالإهمال في مواجهة "وضع كارثي".
وتابعت "إطلاق النار على الناس وتوقيفهم لن يؤديا إلا إلى زيادة الغضب واليأس"، موضحة أن المصابين رفضوا الذهاب إلى المستشفى خوفا من أن يتم توقيفهم.
وتوجهت إلى الحكومة التي عليها خصوصا إصدار تعليمات واضحة للشرطة باحترام المعايير الدولية قائلة "لم يفت الأوان بعد لتغيير الأساليب".
إشعال الفتيل
أشعل فتيل الاحتجاج في الأحواز الاحتجاجات في مناطق إيرانية أخرى، لتدهور الأحوال المعيشية، وسط توقعات بأن يتطور الأمر إلى ثورة شاملة في البلاد.
وربما كان الأمر أشد سطوة في الأحواز، خصوصا أنه جاء على خلفية تحويل السلطات لمجرى عدة أنهر من بينها نهر كارون الذي يعد أكبرها، بعيدا عن مناطقهم، مما ينذر بالعطش وتداعيات خطيرة أخرى.
ويمر بمحافظة خوزستان نهر كارون، الذي كان يغذي المنطقة بشكل جيد في الماضي، إلا أن سلطات طهران عملت على تجفيفه ونقل جزء من مساره إلى مناطق أخرى في البلاد، مما ترك السكان العرب يواجهون أزمة مياه.
ومحافظة خوزستان تقع ضمن منطقة الأحواز ذات الغالبية العربية الغنية بالنفط والمياه في آن واحد، لكن سكانها يعانون التهميش والاضطهاد من جانب السلطات الإيرانية.
وتفاقمت مشكلة المياه في الآونة الأخيرة، مع تحويل النظام لمياه النهر بشكل أكبر نحو مناطق أصفهان وزايندهرود، شمال شرقي الإقليم العربي.
وتنكر السلطات الإيرانية أن أغراض سياسية وراء قرارات تحويل مجاري الأنهار في الأحواز، إلى درجة أن الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني اتهم السكان العرب بالمسؤولية عما يجري من أزمة مياه في المنطقة، لاستمرارهم في زراعة الأرز المحلي.
أسلحة فتاكة
أوضحت منظمة العفو الدولية أن "قوات الأمن الإيرانية نشرت بشكل غير قانوني القوة، بما يشمل إطلاق الذخيرة الحية وخرطوش الصيد، لسحق تظاهرات سلمية في غالبيتها".
وأوضحت أن تحليلا لتسجيلات مصورة للاحتجاجات وروايات شهود عيان "يشيران إلى أن قوات الأمن استخدمت أسلحة أوتوماتيكية فتاكة وبنادق تستخدم ذخيرة عشوائية بطبيعتها والغاز المسيل للدموع".
من ناحيتها قالت الباحثة في شؤون إيران لدى "هيومن رايتس ووتش" تارا سبهري فر، إن "السلطات الإيرانية لديها سجل مقلق للغاية من الرد بالرصاص على متظاهرين مستائين إزاء تفاقم الصعوبات الاقتصادية وتدهور الظروف المعيشية".
وكانت منظمات حقوقية اتهمت إيران بقمع تظاهرات واسعة خرجت في 2019 احتجاجا على رفع أسعار الوقود، بحسب منظمة العفو، أدت إلى مقتل 304 أشخاص على الأقل.
وقالت نائبة مدير المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة ديانا الطحاوي، إن "السلطات الإيرانية لديها سجل مروع من الاستخدام غير القانوني للقوة الفتاكة. تواتر الأحداث في خوزستان يحمل أصداء مروعة لنوفمبر 2019".
وقالت منظمة العفو، إن المراهق يدعى هادي بهماني، وقتل في بلدة إيذه.
وقالت "هيومن رايتس" إن تقارير وردت عن انقطاع الإنترنت في المنطقة، مشيرة إلى أنه "خلال السنوات الثلاث الماضية، عمدت السلطات بشكل متكرر إلى تقييد الوصول للمعلومات خلال احتجاجات".
خوزستان
ـ محافظة تقع في جنوب إيران
ـ مطلة على الخليج العربي
ـ أبرز مناطق إنتاج النفط في إيران وإحدى أغنى المحافظات الـ31.
ـ تعد من المناطق القليلة في إيران ذات الغالبية الشيعية
ـ تقطنها أقلية كبيرة من السكان العرب
ـ تشتكي من الجفاف وشح المياه منذ مارس الماضي
ـ موجات الحر أدت إلى جفاف في سهولها التي كانت تعرف بخصوبتها
ـ اشتكى سكانها سابقا من تعرضهم للتهميش من قبل السلطات
ـ شهدت عام 2019 احتجاجات مناهضة للحكومة طالت مناطق أخرى من البلاد
ـ تغير المناخ أدى إلى تفاقم موجات الجفاف التي تهدد شدتها وتواترها الأمن الغذائي