لم تعد الخطوط الفاصلة بين الفن والموضة واضحة، خصوصًا مع التقدم التقني، وانتشار عالم وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت ترصد كل ما يرتديه المشاهير وعلى الأخص أهل الفن الذين تم تجنيد كثير منهم في بيوت الأزياء رفيعة المستوى.

وشكلت المناسبات الكبيرة مثل حفلات توزيع الجوائز، ومهرجانات السينما، وغيرها، فرصة مناسبة للتأكيد على ارتباط الموضة بالفن ارتباطًا وثيقًا. وغالبًا ما نشهد بعد إقامتها اتجاه الموضة نحو أنماط جديدة، حين يبرز الفنانون والفنانات عبر إطلالاتهم في هذه المناسبة خيوط الموضة لفترة من الزمن، قبل أن تظهر تصاميم جديدة تتلوها موجة طلب على هذه التصاميم، وهكذا دواليك.

ويصر كثيرون على اعتبار الموضة جزءًا من الفن، ولذلك فارتباطها به وثيق جدًا. وبعد أن كانت الأزياء تصور فوتوغرافيا في البدايات، لكن تلك الصور بقيت جامدة صامتة، حتى جاء الفنانون ليبعثوا فيها جمال الحركة وأناقتها، وبعد أن كانت عارضات الأزياء فقط هن المعنيات بإبراز تصاميم الموضة من خلال عروض الأزياء، صارت المناسبات الكبيرة بمثابة عرض مفتوح أبطاله الفنانون والفنانات.


قدرة الوصول

في عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، يصل الفنانون بشكل مباشر إلى جمهورهم الذي يتداول صور إطلالاتهم وفيديوهاتها على منصات مثل يوتيوب وإنستجرام وX، ما يجعلها تتصدر قائمة الاهتمامات، وعندما يظهر فنان بفستان أو إكسسوار مميز، يصبح هذا العنصر موضة رائجة في وقت قصير.

تشير علياء الناظري «خبيرة» إلى أن «الموضة لغة عالمية، تتجاوز حدود اللغات والثقافات، وهي أسلوبٌ في ارتداء الملابس والإكسسوارات تعكس ثقافة المجتمع وذوق أفراده».

وشددت على أن «تأثير المشاهير والفنانين والمؤثرين على الموضة كبير جدًا، بحكم تأثيرهم الكبير على المجتمع وثقافته وتوجهاته، فأناقة المشاهير تؤثر على اتجاهات الموضة، وتلعب وسائل الإعلام، دورًا مهمًا في نشر الموضة، حيث تركز على عروض الأزياء على شاشات التليفزيون والمجلات والمهرجانات، وتُلهم الناس في جميع أنحاء العالم، ومن المهم على وجه الخصوص التعاون مع المؤثرين في شبكات التواصل الاجتماعي لنشر المحتوى، ومشاركة الفيديوهات مع جمهورهم، مما يسهم في نشر المحتوى على نطاق واسع، ويزيد تفاعل الجمهور».

التسويق الرقمي

أضافت الناظري «تسعى العلامات التجارية للأزياء والموضة والمجوهرات إلى استثمار المهرجانات التي تقام سنويًا، بحيث يسمح للعلامات التجارية، بتنويع خطوط منتجاتها، وأيضًا الاستفادة من أسواق وقواعد مستهلكين جدد دون تخصيص ميزانيات كبيرة عادةً للإنتاج والتوزيع».

وبينت أن تلك العلامات التجارية تركز على اقتحام التسويق الرقمي، والالتزام مع المؤثرين بجدول نشر ثابت، مع إنتاج محتوى سريع وفعال يستجيب للأحداث، لزيادة تفاعل الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

دراسات متخصصة

توضح دراسات متخصصة أن للمشاهير، وفي مقدمتهم الفناني تأثر كبير على خيارات المستهلكين، وتأثير كبير أيضًا على قرارات الشراء لدى المستهلكين، فالجمهور يميل إلى تقليد ما يرتديه الفنانون، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على عناصر معينة في السوق، ويمتد هذا التأثير إلى مختلف الفئات العمرية.

إلهام للجمهور

يبيّن الأكاديمي الدكتور حسين شحاته (دكتوراة في الفنون الجميلة) أن إطلالات الفنانين تتجلى بشكل واضح خلال الفعاليات الكبرى مثل حفلات الجوائز أو عروض الأزياء، وقال «تلتقط عدسات الكاميرات كل تفصيل من إطلالات هؤلاء الفنانين، مما يزيد من شعبيتها. على سبيل المثال، يمكن لفنان مشهور أن يختار تصميمًا غريبًا أو جريئًا، مما يؤدي إلى موجة لتقليده من قبل كثيرين».

وأضاف «يتعاون كثير من الفنانين مع مصممي الأزياء لإطلاق خطوط ملابس خاصة بهم، وهذه التعاونات لا تعزز فقط من شعبية المصمم، بل تسهم أيضًا في تشكيل اتجاهات جديدة في عالم الموضة، فعندما يرتدي فنان مشهور تصميمًا معينًا، يصبح له تأثير كبير على اختيارات الجمهور».

وشدد على أن الفنانين يعدون من أبرز العوامل التي تسهم في إحياء الموضة القديمة، حيث يمتلكون القدرة على إعادة تقديم حتى الأنماط والأزياء القديمة بطريقة جديدة ومبتكرة، وفي السنوات الأخيرة، شهدنا عودة عدد من الأنماط الكلاسيكية، وقد سهم الفنانون في هذا الاتجاه من خلال عدة عوامل:

01- إعادة تفسير الأزياء القديمة:

يعمل الفنانون على إعادة تفسير الأزياء القديمة بطرق تتناسب مع العصر الحديث، فهم يأخذون عناصر من التصاميم الكلاسيكية، مثل الأقمشة، الألوان، والأشكال، ويعيدون تنسيقها لتناسب ذوق الجمهور الحالي، على سبيل المثال، يمكن أن نرى فنانين يرتدون فساتين من السبعينيات مع تعديلات حديثة، مما يمنحها طابعًا عصريًا.

02- التأثير عبر وسائل التواصل الاجتماعي:

تُعد وسائل التواصل الاجتماعي منصة مثالية للفنانين لعرض إطلالاتهم، عندما يظهر فنان يرتدي قطعة مستوحاة من فترة معينة، يصبح هذا النوع من الأزياء موضوع نقاش واسع بين المتابعين، ويمكن أن تؤدي هذه الإطلالات إلى زيادة الطلب على الأزياء القديمة، مما يشجع المصممين على إعادة إنتاجها أو تطويرها.

03- التعاون مع العلامات التجارية:

تتعاون العديد من العلامات التجارية مع الفنانين لإطلاق مجموعات مستوحاة من الحقب السابقة، هذه التعاونات تساعد في إحياء الأزياء القديمة، حيث يتم دمج التصاميم التقليدية مع لمسات عصرية، مثل هذه المشاريع تجذب انتباه الجمهور وتمنحهم فرصة لتجربة الأزياء القديمة بطريقة جديدة.

04- تأثير الثقافة الشعبية:

تساهم الأعمال الفنية، مثل الأفلام والمسلسلات، في إحياء الموضة القديمة من خلال تقديم شخصيات ترتدي أزياء من حقب مختلفة، عندما يرتدي فنان مشهور زيًا من حقبة معينة في عمل فني، يصبح هذا الزي رمزًا للموضة ويؤثر على اختيارات الجمهور.

05- تعزيز الهوية الثقافية:

يعد إحياء الموضة القديمة أحيانًا وسيلة لتعزيز الهوية الثقافية. يختار الفنانون أزياء تعكس تراثهم الثقافي، مما يساعد في نشر الوعي حول تاريخ الموضة وأهميتها، هذه الأزياء لا تعبر فقط عن الجمال، بل تحمل أيضًا قصصًا وتقاليد مرتبطة بالثقافة.

باهظة الثمن

تؤكد لطيفة أحمد «خبيرة» على مساهمة الفنانين والمؤثرين والمشاهير بشكل مباشر، وغير مباشر في الترويج لاتباع خطوط الموضة، وذلك من خلال نشر هذه الثقافة عبر منصات التواصل بشكل كبير جدًا، أو من خلال حضور العديد من الايفنتات المتخصصة في الأزياء، أو من خلال عرض آخر صيحات الموضة من ملابس واكسسوارات أو غيره في المناسبات الكبيرة على وجه التحديد.

وقالت «المتتبع للأحداث، يجد أن إطلالات كثير من الفنانات والفنانين ومشاهير السوشال ميديا أصبحت تتبع خطوات دور الأزياء بغض النظر عن كون هذه الملابس ملائمة لعاداتنا وتقاليدنا أو لا».

وانتقدت لجوء بعض الفنانين إلى تصاميم غريبة فيه بعض «التعري» وقالت «استغرب هذا وكأن الموضة انحصرت في هذا النوع من الثياب التي قد تكون باهظة الثمن في بعض الأحيان، ولكن البعض ينساق نحو الموضة غير مبال بذلك».

الفكرة الجاذبة

ترى لطيفة أحمد أن الجمهور ينقسم إلى فريقين في تفاعله مع إطلالات بين مؤيد ومعارض، ففيما يراها البعض غير ملائمة لمجتمع ما، يرى فيها آخرون تطورًا ومواكبة لعصر الموضة، وفيها انفتاح على الثقافات الأخرى ومجاراتها في كل شيء..

وقالت «يتم الترويج للموضة بصور شتى، منها الإعلانات عبر المشاهير محليين أو عالميين، أو لاعبي الكرة، أو الفنانين، أو المؤثرين، وتتنوع الأساليب في ذلك، وتختلف طريقة العرض في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وتختلف فكرة الإعلان الجاذبة، فقد يلجأ أصحاب العلامات التجارية إلى أحد المشاهير أو الشهيرات لعرض منتجهم خلال المهرجانات لتكون بارزة وملفتة بعد ارتدائها، وهي إحدى الوسائل المهمة في التسويق والإعلان».

ترقب المهرجانات

شددت لطيفة أحمد على أن استغلال المواسم والأحداث المهمة لإبراز العلامات التجارية، باتت صفة ظاهرة للعيان، ولا يختلف عليها اثنان، فأصبحنا نشاهد المجوهرات والساعات والحقائب والملابس التي يريد أصحابها الترويج لها من خلال الزخم الإعلامي أو الحضور الكثيف من قبل الجمهور وشاشات التليفزيون، حيث أصبح المشهد يعج بكثير من العلامات التجارية المتنوعة.

قوة التأثير

مع ظهور المشاهير كوجوه جديدة للموضة، تكاد طرق الإعلان التقليدية للترويج للعلامات التجارية تختفي من المشهد.

وتركز العلامات التجارية الكبيرة على مؤثرين لديهم ملايين المتابعين على منصات مثل Instagram وTikTok، حيث يمكن لمنشور واحد من أحد المشاهير أن يثير اتجاهًا جديدًا أو يعيد إحياء اتجاه قديم.

ومع استمرار نمو وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، من المتوقع أن تزداد قوة المشاهير المؤثرين في عالم الموضة، لكن العلامات التجارية مطالبة باختيار أشخاص مؤثرين مناسبين، ويمكنها تسخير قوة تأثيرهم لتعزيز صورة علامتها التجارية وزيادة المبيعات.

ومع ذلك يحذر كثيرون من الاعتماد الكلي على المشاهير، إذ قد يقع أحدهم في «فضيحة» أو «خطأ» كبير، وهذا قد يؤثر على العلامة التجارية التي روج لها.

نماذج لفنانين أثروا في الموضة

ـ عام 2016 ارتدت كيم كارداشيان مشدًا فوق قميص فصار ذلك صيحة استمرت سنوات.

ـ عام 2017 ارتدت ميجان ماركل معطفًا أبيض من علامة Line the Label خلال إعلان خطوبتها فتم بيع المعطف في غضون دقائق.