في الواقع عندما ننظر للدراما التاريخية التي يقدّمها الغرب لمشاهديه نجدها مادة معرفية مشوّقة، تطلع فيها شعوبهم على المسار التاريخي والانتقال من مراحل الظلامية والتعصّب الطائفي إلى مرحلة النور ونشأة دولة القانون والمواطنة المتساوية. ولكن الإشكالية الخطيرة هي أن يتم طرح الدراما لتأجيج مشاعر الكراهية، وهو يعد في واقعه بمثابة السير في حقل من الألغام، بخاصة عندما تدخل في تاريخ شعوب لم تتجاوز بعد نعراتها العنصرية.
السؤال المشروع: لم كل هذا التخوف من الفيلم مع كونه لم يعرض؟ الجواب: لأن كاتبه رجل الدين ياسر الحبيب ويعد من الشخصيات المتشددة، وهو يعيش في بريطانيا الآن، وقد تسببت آراؤه المتطرفة الجارحة في إثارة الكثير من الزوابع الطائفية، انتهت بخروجه النهائي من الكويت. وقد اتُّهم سابقاً بإهانة الدين الإسلامي، وتعرّض للسجن على خلفية هذه التهمة، وسبق أن سُجن في الكويت، وأسقطت عنه الجنسية بعد إهانته وسبّه صحابة الرسول الكريم.
الأعمال الدرامية لها شروطها الخاصة بها، مثلها مثل أي فن أو أدب، أو حتى علم، والدراما التاريخية، بشكل خاص، لها شروطها الخاصة بها، لا يقبل التنازل عنها أي محترف في العمل الدرامي، ولك أن تتخيل أن كاتب القصة هو من الشخصيات المعروفة بالتطرف والتشدد اللذين سينعكسان حتما على الصياغة الدرامية للفيلم.
إنني أعتقد أن الاستغراق في التفاصيل التاريخية الخلافية مؤداه الاستغراق في عبارات التحريض المتبادلة، ومَنْ أحق مِنْ مَنْ؟ ومن أصلح مِنْ مَنْ؟ ما فائدة ذلك وأنا أعيش زمناً غير ذلك الزمان؟ أقصى ما يُمكنني فعله هنا هو هزّة كتف لا أكثر! فأوروبا عاشت قرنين من الزمن في حروب طاحنة بين الكاثوليك والبروتستانت ولكنهم اتعظوا من التاريخ، لم أجد فيلما دراميا تاريخيا يشوه فيه كاثوليكي مذهب البروتستانت أو العكس. هُم لم يتنازلوا عن تاريخهم، ولكن كان موضوع التعايش الإنساني سبباً جوهرياً لإقامة نظام اجتماعي منيع؛ لأن عنوان التعايش لديهم داخل في عُمق الهوية.
الدراما العالمية اليوم هي اللغة الفنية الرائعة التي تستطيع تقديم رسائل السلام والتسامح والتعايش، وفيلم «الرسالة» العالمي الذي قاده «العقاد» هو خير دليل على ما حققه من نقلة نوعية مميزة في تاريخ السينما العربية والإسلامية وتعريفه بالرسالة المحمدية بعيداً عن إثارة الحساسيات المذهبية وبعيدا عن عقائد الممثلين وطوائفهم، والحق أن هذا العمل هو الذي يشعرنا بالفخر والاعتزاز.