إن العقلية الجمعية لا تسيطر إلا عندما تغيب المصداقية وأساليب البحث عن الحقيقة. وعلينا أن نتذكر دائما أن وسائل التواصل الاجتماعي تُمارس التجييش والحشد، حيث قد ينشرا العبث والتخريب وسينالا من كل عقل يفتقر إلى التفكير السليم.
كانت حادثة حريق محطة القطار بمحافظة جدة دليلاً قائماً على تلك العقلية الجمعية التي تقود الكثير، فبعد الحادثة مباشرةً، غرد أحدهم في «تويتر» بأن الحريق يعد فساداً، وأن لديه المستندات والإثباتات على ذلك الفساد في مشروع قطار الحرمين، وخلال دقائق معدودات تداولت التغريدة وكأنها حقيقة مسلمة لا تقبل الجدل أو التشكيك في صحتها، ولم يتبق سوى محاسبة أولئك الفاسدين والزج بهم في السجون. ومن هنا وهناك كانت المداخلات التي كان ظاهرها انتقاد الحادثة، وفي باطنها التقليل من الجهود المبذولة في محاربة الفساد واجتثاث جذوره. هذا الأسلوب ليس جديدا أو غريبا فهو أسلوب كان ولا زال ينهجه (الإخوان)، عندما كانوا يتحدثون في خطبهم ومقالاتهم عن الفساد، وارتباط ذلك الفساد بالحكومات الوضعية، ثم يبدؤون في مقارنة الوضع الراهن بما كان في عهد السلف الصالح، وأنه آن الأوان لعودة الخلافة التي ستملأ الأرض نورا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا. وللأسف فهذا الأسلوب الجمعي هو أيضا ديدن الكثير من مراسلي الصحف ومغردي مواقع التواصل، فالكل أصبح (مدعي عام) مع كل خبر أو حدث حتى لو كان ذلك الحدث عرضيا أو بفعل الأقدار. وقد يتساءل سائل وأين الجهات المعنية من مثل هذا. هنا علينا أن نعترف أن الإعلام لم يوفق في مواجهة الحملات الخارجية المسعورة التي استهدفت الوطن، كما أنه لم يستطع تجفيف منابع التشويه الداخلي التي أصبحت أكثر خطورة من ذلك العدو الخارجي. ولعلنا هنا نشيد بدور النيابة العامة التي نهجت نهجا وأعطت درسا يجب أن نستفيد منه، وتستفيد منه كل جهة معنية تواجه تشويها أو تضليلا أو كذبا أو تقلل من جهود الوطن والتحول الذي نعيشه. إن خروج النيابة العامة السريع بتصريح يفند أكاذيب أولئك المغردين كان شمسا ساطعة ستنير الطريق (لكل محتطب بليل).