عبدالله الجديع

كادَ خصومُها أن يجعلوا تأسيسَها من المستحيلات، لقد ظهرت لهم حينها أنها بلا مقوِّمات، لكنَّها جاءتْ على قدَرٍ من أرضها وسمائها، يقودُها الإمام محمد بن سعود الذي انطلق بالنواة الأولى، ليوحَّد عناصرها تحت رايةٍ توحيد خالِقها، فتأسستْ السعودية وقامتْ جنباتها مكسوَّة بعناصر الحضارة من التاريخ والخلُق والدِّين، يقودها عقل مُلئ حكمة، لتتحرك إلى الأمام بمقدار أصالتها، تأسستْ السعودية ولم تستقل بعدَ احتلال، ولا ورثتْ دولةً جاهزة أعدَّها لها غيرها، من فوق الرِّمال قامت لتصل إلى دولة تواكب الزَّمن وتعلي من رايتها خفَّاقة في القرن الواحدِ والعشرين، آمنة مطمئنة كما الحال التي جعل الله بيته عليها.

لقد عرف مواطنوها قدْرَ حكَّامهم، فهم الرَّائد الذي لا يكذب أهله، بحرص متبادل بين المواطن ودولته، وألسنة تلهج بالتوفيق لمن عاين الأمن والاستقرار بعد أن كان النَّاسُ يُتخطَّفون من حولهم، وبعد أن صارعت دولتهم الأولى الأخطار والأهوال، لتصل الراية إلى عبد العزيز آل سعود فسالتْ الأحبارُ مذهولة بعظم الإنجاز، ومدحَه مؤرخو الشَّرق والغرب، ليحملَ الرَّاية أمين بعدَ أمين، حتى بلغتْ خادمَ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وولي عهد الأمين محمد بن سلمان وفقه الله ورعاه، وتحت الرَّاية الخضراء تجمَّع المواطنون بلحمة وطنية لا يفتُّ في عضدها شيء، وهم يبصرون ما ترنو إليه دولتهم، فأيُّ عزم تحمله وهم الذين على قلبِ رجلٍ واحد؟

تقدَّم الوطن منذ يوم التأسيس سنةً وراء سنة، ولبنةً فوق أخرى، حتى أضحتْ السعوديةُ اليومَ من أهمِّ الدول ذاتِ التأثير العالَمي، وصارت الرِّياض قِبلة السَّاسة كما أنَّ الكعبة قبلة المصلِّين، فلها رؤية بعيدة المدى بعيون أميرها الشَّاب ترنو نحو 2030، تبعث على التقدُّم الاقتصادي والتكنلوجي، والاستقرار السِّياسي، وهي تعرف هويتها وتسعى للخير لغيرها، فهي بقيَّة أصالة العربِ والحرص على نهضتهم ورفعة شأنهم، إنْ ضاق حال العرب قالوا: السُّعودية، وإنْ أرادوا النهضة والبناء استوحوا نظرتهم من السُّعودية.

ولا يعزب عن ذهنِ أحدٍ كيف أنَّ الرياض صارتْ جسرًا دبلوماسيًا بين الشَّرق والغرب، فشتاء موسكو كان يجعلها بعيدة - لقرن من الزمن - عن التواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى حلول لصالح البشر، فأرهق العالَم التوتر بين الدولتين الكبيرتين، فيما عرف بالحرب الباردة في القرن المنصرم ثم تجدد البرود في العلاقات كما الحرب في أوكرانيا، فكانت السُّعودية كموقعها الجغرافي وسيطًا وطريقا بين الاثنين في السِّياسة، وصار اسمها في قلب حلِّ المشكلات السياسية العالمية، ونزع فتيل الحروب العسكرية، بثقلٍ دبلوماسي واقتصادي وسياسي.

وهي التي تعلَّق أملُ السوريين بها وقد دُمِّرتْ دولتهم، وعبثتْ في أرضهم مختلفُ الآلاتُ الحربية، حتى إذا أرادوا لشعبهم التقدُّم والاستقرار، وتطليق عهدِ الحروب والدمار، وجدوها دولة تتعب وتكد لأشقائها، تعرض في المحافل الدولية قضيتهم، وتسعى لمدِّ اليد إليهم، وهي التي لا تخيِّب ملتجئًا ينشدُ فيها مساعدة، فيلقى له فيها فوقَ الإعانةِ ساعِدًا، وحين عضَّت أنيابُ الحربِ الفلسطينيين في غزة ولم تبقِ لهم ولم تذر، وأفجع قلوبهم ما سمعوه عن رغبات تهجيرهم من ديارهم وإخراجهم منها بغير حق، كانت الرياض موضع اجتماع العرب، وتسابقت بياناتُ السُّعودية إلى نصرة قضيتهم، كما كانت مساعداتها تسرعُ في الوصول إليهم.

لقد تأسست السعودية ورفعت رايتها على قدَر، لتكون مفخرة مواطنيها، وموضع لحمتهم وأمنهم واستقرارهم، وتعلي من ذكرهم تحت قيادتهم الرشيدة، تلك التي لم تبخل بنظرها وجهدها عن تقدُّم البلاد، وملاحقة الإنجازِ بالإنجاز حتى ملأ الخير الوطن، وعمَّ إلى أشقائها في المنطقة، بما يردد صدى صوتِ الأمير محمد بن سلمان وهو يخبر سامعيه عن حرصه على نهضة العرب مرة أخرى، وحرصه على عودتهم إلى الرِّيادة والتقدُّم والازدهار.

بعزمِ الشباب وحكمة الشيوخ تواصل السعودية رفع رايتها اليوم، وهي التي يلتحم فيها التاريخ والحاضر، أصالة العرب وتاريخهم ودينهم وقبلتهم، والتقدُّم والازدهار والانفتاح، بلا إفراط ولا تفريط، بمنهج وسطي كموقعها في العالَم، إنها الدولة التي انبعثت من كلِّ ما هو من عناصر أرضها وسمائها البشرية والطبيعية، لقد تأسستْ السعودية ويدرك المواطن اليومَ أيَّ جهد بُذل حتى يقف على ما هو عليه، تحت رايتها الخفاقة يرمق علَمه وقد كادَت أن تنبعث فيه الحياة، لينطق باسم السعودية ويقول: هي دولةٌ رفعتْ رايتَها على قدَر!