مكة المكرمة: أحمد الجهني

استغرق باحث أكاديمي أمريكي نحو 24 شهرا في رحلة قطع خلالها أكثر من 150 كلم، انطلاقا من المنطقة الجنوبية عبورا نحو المناطق الوسطى والشرقية والشمالية الغربية، وذلك لتوثيق التقاليد والعادات السعودية في كتاب حمل عنوان «أرض العادات».

ويشير الدكتور ألكساندر وودمان، وهو باحث يعمل في جامعة الأمير محمد بن فهد، إلى أن الخبرات الحياتية تعزز قدرة الباحث على دراسة موضوع بحثه بلا تحيز، خصوصا حين يلامس موضوع بحثه بنفسه بغض النظر عن اختلاف اللغات أو الخلفيات الثقافية أو الاجتماعية.

ويوضح وودمان أنه دُعي إلى المشاركة مع باحثين عدة بعلوم الصحة لبرنامج رؤية المملكة 2030، وحينئذ لفت انتباهه كباحث طبيعة الثقافة السعودية، وما تعنيه لشعبها، ومن هنا بدأ رحلة استكشاف وتوثيق الثقافة والتقاليد السعودية من خلال أراضيها وشعبها وقصصها، وتمثلت ثمار رحلته في كتابٍ سماه «أرض العادات» نُشر في 2020 عن دار نشر جاد في هونج كونج، وهو مسجل في مكتبة الملك فهد الوطنية.

الفضول المحرض

يقول وودمان: «عندما بدأت رحلتي المهنية في السعودية شدني الفضول لطبيعة الحياة والثقافة السعودية، وما يحيطها من روحانية فريدة من نوعها، وخلال الأعوام السبعة الماضية كان لي شرف العمل بجانب أكبر العلماء والباحثين في السعودية والشرق الأوسط في مجال الصحة والطب، وزاد هذا العمل شغفًا بدمج المفاهيم والإبداعات الفريدة في السعودية في نطاق بحثي العلمي، واهتمامي الحقيقي بالثقافة السعودية، وما تحتويه من قيم تقليدية وأدب ومناظر طبيعية حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هذا البحث».

وأضاف: «بدأت رحلتي على خطى طلابي عبر التقاط وتوثيق صور وقصص وتاريخ السعودية، متوجهًا نحو رؤيتي البحثية المتمثلة في كتاب «أرض العادات»، بغرض رسم صورة صادقة وعذبة للجمال الداخلي النادر الحديث عنه خارج نطاق السعودية».

صعوبة التواصل

يؤكد وودمان أن رحلته استغرقت نحو 24 شهرا عبر أرجاء السعودية، بدءًا من يونيو 2017، وقطع في ترحاله أكثر من 15 كلم بداية من المنطقة الجنوبية تجاه المناطق الشرقية والوسطى والشمالية الغربية، مشيرا إلى أنه في البداية وجد صعوبة في التواصل مع المواطن السعودي، وهو ما شعر بأنه طبيعي.

ويضيف: «فور أن تم بناء الثقة المتبادلة، تجاوز السعوديون كل توقعاتي من الكرم والترحاب لباحث مدفوع بالفضول وحب الاستطلاع، حيث كانت رحلتي تجربة تعليمية عميقة، وكان من الضروري دراسة الثقافة السعودية باحترام ودون حكم مسبق، وهو ما مكنني من تكوين صورة صادقة للتقاليد السعودية مبنية على التجارب المشتركة لي أنا وطلابي».

وأكد أن «اللغة جزء لا يتجزأ من تاريخ وثقافة أي أمة، وعندما نتعمق في تاريخ شعبٍ ما، حيث تمثل لغته وأمثاله عمقًا ملموسا يصعب وصفه، من الضروري دراسة اللغة والثقافة والتقاليد في سياقاتها التاريخية».

رسم الجمال

يبين وودمان أن الغرض من كتابه هو رسم جمال السعودية وتقاليدها الاستثنائية، المبنية على أصول الضيافة والكرم والكرامة، قائلا: «يعكس كتابي تلك الروحانية الداخلية والجمال الخفي لأمةٍ عريقة ولأرضها المقدسة، وينقل الكتاب في كلٍ من صفحاته قصصًا ورسائل مؤثرة وصورًا ورسومًا خلابة».

وأكد أن حبه للسعودية وشغفه للكتابة لم يبعداه عن جذوره في البحث الطبي. ويوضح: «دفعتني هذه التجربة لمواصلة أبحاثي بشكل أكبر، حيث غرست خلفيتي في البحث داخلي القيم الأساسية للصحة العامة، التي تهدف إلى حماية وتحسين صحة الناس والمجتمعات، سواءً كانت أحياءً صغيرة أو مناطق بأكملها، ولقد لاحظت عددا من أوجه التشابه بين ما يمضي به الشباب السعوديون وتجربتي الشخصية في الولايات المتحدة على الرغم من الاختلافات في الوضع الاجتماعي والاقتصادي، والخلفية الثقافية والدينية، حيث إن أنماط حياة الشباب متشابهة إلى حد كبير».

ويشير وودمان إلى أنه خلال رحلته مع طلابه وفي أثناء تناول الطعام، لاحظ تفضيلهم الخيارات غير الصحية والوجبات السريعة على الرغم من قوائم الطعام الغنية. كما لاحظ أن بعضهم كانوا يعانون زيادة الوزن، مبينا: «هذه الملاحظات والفروق الغذائية بين المنزل والبيئات الخارجية (مثل المطاعم والمقاهي) دفعتني لتشكيل دراسة بدائية، وفي تلك الدراسة استكشفت المصادر المحلية الموجودة حول أنماط الغذائية والحياتية في منطقة الخليج، خاصة في السعودية، مع التركيز على العوامل التي تحفز أو تثني الطلاب عن اختيار الأطعمة الصحية أو الانخراط في الأنشطة البدنية، وشكلت هذه الأبحاث الأساسات الضرورية لرسم خريطة السمنة في المملكة، التي واصلتُها من خلال البحث بعد الدكتوراه في كلية الطب بجامعة هارفارد، وهناك قمت بالتحقيق في طفرات جين اللبتين والسمنة، فملاحظاتي وأبحاثي كشفت أن السمنة ناتجة عن شبكة معقدة من المتغيرات التي تؤدي إلى زيادة الوزن، بما فيها من العوامل التغذوية والنفسية والبيولوجية والطبية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية والإعلامية».

ويضيف الباحث الأمريكي: «على مر السنين، قدمت أنا وزملائي في السعودية إسهامات كبيرة في الطب الوقائي والأبحاث الطبية من خلال التعاون مع المؤسسات والباحثين العالميين، وكان محور تركيزي على دراسة المحددات الجينية والسلوكية التي تؤثر على صحة ورفاهية المواطنين السعوديين».

مشروع فائز

يشرح وودمان أن أحد أكبر إسهاماته في مجال الطب الوقائي كان مشروعًا فائزًا بجوائز عدة بعنوان «نموذج الصحة: ابقني بصحة جيدة» كجزءٍ من مبادرة «تطوير الرعاية الصحية والبحوث العلمية».

ويوضح: «يهدف مشروعي إلى توعية وتحفيز وتمكين كلٍ من أصحاب العمل والموظفين في الشركات السعودية لبناء برامج متكاملة تشمل التمارين الرياضية، وعادات التغذية المحددة، والتحكم في الوزن، وتحسين الصحة النفسية، والتعليم الطبي المكثف. هذه النقاط الرئيسية بعينها تُحدث تأثيرًا إيجابيًا طويل الأمد على صحة المواطنين السعوديين في إطار رؤية 2030».

أرض العادات

كتاب للدكتور ألكساندر وودمان

طبع الكتاب في «هونج كونج»، وسجل في مكتبة فهد الوطنية

استغرقت رحلة الباحث لتأليفه أكثر من 24 شهرا وأكثر من 150 ألف كلم