مفرح حبسان العمري

عندما لا نقبل النقد أيًّا كان نوعه فإن ذلك يدل على خللٍ لدينا، وأن أفكارنا لا تقبل التجريح..... بل إن عقولنا ضاق بها المفهوم لتصبح وحدها في بوتقة الوهم الأوحد.

كيف لنا أن نرتقي بمفهومنا وإبداعنا ونتائج أفكارنا وتجاربنا إذا لم نحظ بالنقد فنستل منه المفيد الذي يؤدي بنا إلى التطوير وتخطي علامات الفشل، ونترك منه الهادم الذي لا يراد به إلا التدمير وإحباط النفس.

لم يخل عمل أيًّا كان صاحبه ومنتجه أو مخترعه من انتقادات ساخرة من بعض المثبطين على اختلاف أجناسهم وعقودهم التي عاشوا بها.

ولقد قرأنا في أمهات الكتب وقصص البارعين كم من شخص أصبح اسمه يسجل بماء الذهب في صفحات التاريخ كان عرضة لتلك الشتائم والانتقادات، وما زادهم ذلك إلا إصرارًا على تقدمهم وتفننهم فيما أرادوا تحقيقه وإنجازه فكان لهم ذلك بفضل إصرارهم وتمكنهم من أفكارهم التي جعلت منهم أسماء لامعة عبر التاريخ.

على الإنسان أن لا يغتر بما وصل إليه فإن ذلك يؤدي به إلى السقوط ويحرمه السباق الذي يسعى من أجله للوصول إلى أهدافه ومراده، وأن يتقبل ما يصل إليه من نقد إن كان ذلك يصب في مصلحة مستقبله ونجاحه.

قالوا له «غبي» في اختراعه فأنار العالم كله وأصبح له فضل كبير على سائر الخليقة ولم تحبطه تلك الكلمة من مواصلة إبداعه واختراعه.

إنها معادن العظماء التي يلوح برقها في زحام سحبها المتلاطمة، ولكنها هبت فتوهج منهم اللمعان تلك هي الانتقادات اللاذعة التي ولدت عقولًا نيرة لم تتأثر بما قيل فيها.

هم كبار أصحاب تلك العقول والذين يسمعون ما يقوله حسادهم فيهم فإن كان باطلًا أهملوه ولم يهتموا به وإن كان غير ذلك توقفوا ليستفيدوا منه.

إن العظماء لم يبلغوا مجدهم إلا عندما ارتقوا لتلك السلالم صامدين في خفة وذكاء لم يستسلموا للخمول والأوهام.

إن صناعة العباقرة لم تخلقها مناصب ولا ثروات طائلة بل هي تلك الدوافع القوية نحو تحقيق طموحاتهم وآمالهم جعلت منهم عباقرة زمانهم وأصبحوا مخلدين في العقول يتوارثهم جيل بعد جيل.

إن الشخص المنتقد لا يزيده ذلك الانتقاد إلا تشجيعًا له وعونًا على مواصلة سيره لإنجاز ما أراد لأن ذلك دأب من يحمل في نفسه الحلم لتحقيق ما يريد إنجازه.

إن النقد لا يدمر أصحاب العقول النيرة بعكس ما يفتح لهم آفاقًا في طريق طموحهم ويزيدهم توهجًا وتألقًا وإبداعًا لأنهم يعلموا ما يريدون وما هو الهدف من وراء سعيهم.

علينا أن نتقبل تلك الانتقادات هادفة أو غير هادفة، ولا نهزأ بها أو بأصحابها فإن كانت صائبة علِمنا أنها انطلقت من أفواه عقلاء يريدون لنا التطوير والخير، وإن كانت غير ذلك علمنا أنها خرجت من قلوب مريضة بالحقد والحسد ولا يسعها أن تصل إلى ما وصلنا إليه.