محمد بن مفلح

كنّا نسير كعادتنا في رحلة عائلية هادئة بين الدمام والخُبر، نستمتع بنسمات المساء التي تحمل في طياتها دفء اللقاءات العائلية. وبينما نحن نقترب من إسكان الدمام، إذا بابنتي سديم، ذات العيون اللامعة وفضول الأطفال البريء، تشير بحماس إلى لوحة أمامنا وتقول: "أبي، الخبر تُقرأ بفتح الخاء".

استوقفني كلامها، ورفعت رأسي لأنظر إلى اللوحة. كُتب عليها "الخُبر" كما نعرفها جميعاً. لكن سديم، بنظرة الأطفال الصافية، قرأتها بطريقتها الخاصة: "الخَبر". تملكتني لحظة تفكر. حقاً، كيف يمكن لكلمة واحدة أن تُقرأ بأكثر من شكل؟ وكيف يمكن أن يختلط الأمر على الأطفال أو السياح أو حتى المتعلمين الجدد؟

ابتسمتُ لسديم وقلت لها: "يا صغيرتي، ما قلته صحيح، فاللغة العربية بحرٌ واسع، والحركات هي شراعُ السفينة الذي يرشدنا في هذا البحر".

عند وصولي إلى وجهتي، وجدتني أفكر مجدداً في هذه الحادثة، فتواصلت مع الصديق الدكتور محمد مفلح القحطاني، المختص باللغة العربية والممارس العملي للتدقيق اللغوي. كان حديثه مرآةً عكست عمق أهمية التشكيل في لغتنا الجميلة. قال لي: "التشكيل مفتاح الفهم والبيان في لغة الضاد، إذ يُعد نظاماً من الرموز والحركات التي توضع فوق أو تحت الحروف لتحديد النطق الصحيح وضبط المعاني.

التشكيل ليس مجرد زينة للخطوط، بل أداة حيوية تسهّل القراءة الصحيحة للنصوص، خاصةً للناطقين غير الأصليين أو المتعلمين الجدد. بل هو أداة تحفظ التراث الأدبي والديني، وتُجنب اللبس في المعاني التي قد تتغير بتغير حركة واحدة على الحرف".

تأملتُ كلامه ملياً، وقلت لنفسي: "لماذا لا نقترح على الهيئة العامة للطرق القيام بمبادرة لتشكيل أسماء المدن والمحافظات على اللوحات الإرشادية"؟. قد تبدو الفكرة صغيرة، لكنها تحمل أثراً كبيراً في تسهيل الفهم وضمان القراءة الصحيحة، لا سيما في وطنٍ يمتد رحباً بثقافاته ولغاته ولهجاته.

إن المبادرة بتشكيل أسماء المدن والمحافظات على اللوحات الإرشادية تتجاوز فكرة تسهيل القراءة. إنها تعكس اعتزازاً بهويتنا اللغوية وتجعل اللغة العربية أكثر قرباً ووضوحاً للجميع.

تخيل سائحاً يتنقل بين مدننا ويجد نفسه قادراً على قراءة أسماء المدن بشكل صحيح دون تردد، أو طالباً صغيراً يقرأ اللوحة وينطقها بفخرٍ واعتداد.

هذه ليست مجرد مبادرة لتحسين الإرشادات، بل مشروع وطني يعكس تطورنا وحرصنا على جعل لغتنا حيةً في كل التفاصيل. يمكننا أن نتخيل لوحةً مكتوب عليها: "الخُبر (Al-Khobar)" بحركات واضحة، بحيث تكون مرجعاً للناطقين بالعربية وغيرهم.

وفي الختام، أشكر سديم التي جعلتني أرى العالم من منظور بسيط وعميق في آن واحد.

ومن هنا، أمد يدي كاقتراح ودعوة للهيئة العامة للطرق، لأن تكون هذه المبادرة جزءاً من مسيرتنا نحو الحفاظ على هويتنا اللغوية والثقافية. وليكن التشكيل دليلنا على الطريق، لا لنعبر فقط بين المدن، بل لنسافر أيضاً في عوالم الفهم والجمال التي تسكن في طيات لغة الضاد.

لعل الهيئة العامة للطرق تجد في هذه الفكرة خطوة نحو تحقيق رؤية أشمل:

إجراء مسح شامل للطرق واللوحات الحالية، تشكيل أسماء المدن والطرق خاصة تلك التي تحمل أكثر من قراءة، التعاون مع مختصين لغويين للتأكد من الضبط الصحيح، واستحداث تطبيق يتيح للسائقين معرفة الأسماء بالتشكيل الصوتي. فلنعمل معاً لتكون طرقنا موشحة بجمال لغتنا وأصالة هويتنا.