صلاح ربيع العبادي

شدتني هذه العبارة عندما لاحظت أثناء قراءاتي كثرة الحديث عن عملية الفرادة، وعن صورة العالم في المستقبل الذي يتميز بإمكانياته غير المحدودة، ما يتيح للإنسان والبشر الكمبيوترات الفائقة الذكاء، وكذلك الكتابات والدراسات العلمية الجادة التي تنوه عن أن هذه الاختراعات سوف تسيطر تماما على الأرض، وتحل محل الإنسان في كل شيء، يساعدني في هذا الرأي بعض الكتابات العلمية الرصينة التي ظهرت أخيرا حول الموضوع، ومنها كتاب لأحد كبار الكتاب الأمريكيين المهتمين بالدراسات المستقبلية، وهو راب كورزميل، تحت عنوان قد يبدو غير مألوف للكثيرين في العالم العربي، وهو اقتراب عهد الفرادة؟. حين يتسامي البشر عن البيولوجيا، ذلك للإشارة إلى الخروج على القاعدة، وإلى الدخول إلى مجال اللامتناهي، كما هو الحال بالنسبة للثقوب السوداء التي تجذب إليها النجوم فتأوي إلى قرار مظلم بغير نهاية.

ولكن كورزويل يستخدم الكلمة لكي يشير إلى اقتراب حدوث انكسار تاريخي جذري بالغ العمق، من شأنه تغيير كل ما يؤلف طبيعة الكائن البشري، ومستحيل بعدها أن تظل أحوال الناس على الشكل الذي نعرفه.

والفكرة التي كانت تلح على ذهن كورزويل طيلة الوقت هي أن ما يسميه التطورات الثورية التي تدخل على البرمجيات في مجال الكمبيوتر سوف يتم من خلال تطبيقها القضاء على كل الأمراض والأوبئة، بل والأغلب على عملية الشيخوخة ذاتها، ما يعني أن يكون في استطاعة الإنسان أن يعيش إلى الأبد.

فقدرة الإنسان على التغيير وعلى توسيع ومد افاقه وامكاناته إلى مجالات جديدة، قدرة غير محدودة، كما أن إمكانيات التغيير ذاتها أيضا غير محدودة، بحيث يمكن القول إن العقل البشري يستطيع امتصاص واستيعاب أي شيء في الكون من مادة وطاقة، وأن يحد مع هذه المكونات، بحيث تنتقل إليها قدراته وإمكانياته المميزة للبكاء الإنساني، مما يساعدها بدورها على خوض المجالات أوسع وأكثر رحابة وعمقا وتنوعا، فالفرادة إذن حالة غير مسبوقة، فيتامين الجنس البشري، كما أن التغييرات الهاوية والشاملة التي ستطرأ على الحياة سوف تتطلب توافق قدرات هائلة مماثلة لتلك المتغيرات اللامحدودة والمحدودة، لأن الفرادة حسب ما يقول كورزويل ظاهرة حادثة لا تنتمي للبيئة التي ألفناها خلال القرون الطويلة الماضية، ولذا فسوف تظهر اتجاهات وحركات اجتماعية وأخلاقية بل وروحية لا عهد للإنسان بها، ولكنها تتلاءم مع ذلك التقارب والترابط الشديدين بين الإنسان والله، أو بين التكنولوجيا البيولوجية في وقت قصير للغاية، وبذلك يتحقق ما سبق أن تنبأ به الفيلسوف الفرنسي بيير تيير دوشاردان في أنه في يوم من الأيام بعد أن يكون الإنسان قد تمكن من السيطرة على الرياح وحركة الأمواج وعلى الجاذبية فإنه سوف يتمكن من التحكم في قوى الحب، وبذلك يتمكن للمرة الثانية في تاريخ العالم من اكتشاف النار، أي سر الحياة ذاتها، وذلك في إشارة واضحة لأسطورة برومثىوس والفناء المؤكد للحياة والعالم، وفوق كل ذي علم عليم.