محمد خليفة الدوسري

من سنن الله تعالى في هذه الحياة التغيير، فلا شيء يدوم إلى الأبد، فعمر الإنسان يتغير بالكبر، فالصغير يكبر ويشب ثم يشيخ، والنبات ينمو صغيرا ويستمر ينمو ويصبح شجرة وتثمر ثم يقل إنتاجها من الثمار، والحيوان يولد ويكبر ثم يموت، وهكذا تدور دائرة الحياة لمخلوقات الله في كل شيء، فلكل بداية هناك حتما نهاية.

الحياة اليوم ليست كما كانت قبل عدة سنوات، ولن تكون كما هي بعد عدة عقود من السنوات المقبلة، وجيل اليوم من الرجال والنساء باختلاف أعمارهم سوف تتغير بكل تأكيد سنوات أعمارهم في المستقبل، وتتغير معها اهتماماتهم وأهدافهم وشغفهم وكل أمور حياتهم، إذا نحن نتفق أن لكل جيل اهتمامه وثقافته وأهدافه وكل جيل لديه الجيد وغير ذلك من العادات والخبرات، ونلاحظ ذلك في تربيتنا من والدينا، فهم نقلوا لنا أجمل العادات والطباع والخبرات في كل شيء، وحرصوا على توجيهنا بها وتعلمها، وهذا متوارث من جيل إلى الجيل الذي يليه أو بعده، وهكذا إلى أن يرث الله تعالى هذه الحياة والأرض وما عليها.

من هنا يحتاج جيلنا الحالي أن يتمسك ويتشبث بكل ما هو طيب وجيد في كل شيء، ناهيك عن الحرص وتعلم كل ما هو مفيد في حياته من الجيل السابق أو المستجدات الجديدة، وما أكثر ما نراها في حياتنا المعاصرة.

جيل اليوم يحتاج أيضا إلى الصبر والتأني وعدم الاستعجال، ولكنه يعتقد ويشعر بأن البطء في ذلك يعني فوات الفرص في الحياة والتخلف عن الركب.

وهنا أريد أن أوضح أن ذلك غير دقيق! كيف ذلك؟

الصبر مهم جدا في هذه الحياة وكتاب الله (القرآن الكريم) فيه من الآيات الكثيرة التي تؤكد أهمية الصبر في كل شيء، وأن من يؤتى ذلك فقد أوتي خيرا كثيرا، فالعمل والدراسة والبحث وتعاملك مع الآخرين وصدقاتك وعلاقاتك والكثير الكثير في حياتنا يحتاج إلى صبر وتروٍ في كثير من مواقفه وأحداثه اليومية المتغيرة، فلو أخذنا مثلا واحدًا وهو رغبة الكثير من الشباب والشابات الوصول إلى الأعلى في وظائفهم بأسرع وأقصر وقت ممكن دون خبرة وممارسة حقيقية في الأعمال المختلفة! وهنا أقول لهم ولهن ما فائدة أن تكون على هذا الكرسي وأنت قيمتك من قيمته، فلو ذهب هذا الكرسي لذهبت أنت وأصبحت قيمتك دونه لا تذكر، بينما لو كنت تملك تلك الخبرة المطلوبة لإنجاز كثير من الأمور في مجال العمل لكانت قيمتك أكبر من هذا الكرسي أو المنصب، وعند ذهاب هذا المنصب سوف تتهافت عليك العروض ومن أماكن مختلفة، وذلك لما تملكه من خبرة وجدارة لتولي أي منصب يناسب كفاءتك المشهود لها، وأيضا من جانب آخر سوف تكون لك قدرة على اتخاذ القرار الصحيح والمناسب، ولن تعتمد على المستشارين والمعاونين في اتخاذ القرارات ولا التكنولوجيا الحديثة ومن ضمنها الذكاء الاصطناعي وغيره.

التمرس في العمل والصبر عليه وتحمل متطلباته ومشاكله مهم جدا لتكوين الخبرات المختلفة المطلوبة واتخاذ القرارات الصحيحة، أتذكر عندما كنت على مقاعد الدراسة في الجامعة، أذكر أن أحد الدكاترة الأفاضل كان يقول لنا إن اتخاذ القرار لا بد أن يكون بعد التأكد من كل جوانبه بأنه صحيح ومناسب حتى لا تضطر إلى إلغائه مرة أخرى، وهنا يكون موقفك في إصدار القرار القادم مهزوزا وغير ثابت في المستقبل،

وقس على ذلك الكثير من أمور حياتنا، ولقد رغبت أن يكون مثلي السابق في مجال العمل اليومي لأنني أراه يحدث بشكل متكرر أمامي، وكان يحتاج إلى وقفة لإبداء وجهة نظري في ذلك.

إذا لا بد من التروي والهدوء قليلا مع الحفاظ على الطموح والتطلع والشغف لكي تثبت وتتجذر كثير من الخبرات والتجارب وتصقل في مختلف خبراتنا وتعاملنا مع الآخرين ومتطلبات حياتنا اليومية.