سارة فايز الشهري

جملة كفيلة بأن تفتح مدارك الإنسان ليستوعب.

هناك أشخاص إن لم يكن فيهم خير لك، فليس فيهم خير لآبائهم وأمهاتهم. فعلاقاتهم مزرية.

كن واعيا للمؤشرات التي تراها في هؤلاء الأشخاص من عقوق الوالدين ومدى إحسانهم وبرهم، وهنا تستطيع أن تعرف مع من أنت.

عندما تجد من يعق والديه ابتعد عنه فهو لم يف بجميل ما قدموه له، فكيف سيكون وفيا معك!.

﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ﴾ [الإسراء 23].

انتشر في هذا الوقت الكثير من العقوق والضجر من الآباء والأمهات والتذمر والإساءة بالقول أو الفعلـ إنه أمر محزن فعلا. أنا لا أثق بشخص بالغ عاقل يعق والديه.

لقد سمعت محادثة ابن مع والدته عندما كانت تنصحه أن يغير من أسلوبه كان رده عليها باللغة العامية ( اهجدي وخليني ساكت). كان هذا الشاب يبلغ من العمر15 عاما، ورأيت أبناء يبلغون من العمر 40 عاما لا يزورن والدهم كبير السن، ولا يسألون بحجة قسوته طيلة السنين الماضية. هل المشكلة في تربية الأبناء التي تورث العقوق لديهم في الكبر؟ هل ذلك بسبب قسوة الآباء، فيصبح الابن لديه عاهات نفسية، وتصبح هناك دائرة عنف مستمرة والعقوق مستمر، بسبب تلك التربية خصوصا مع هذا الجيل الصاعد؟

ليس بالضرورة أن يكون سبب عقوق الأبناء لوالديهم هو عقوق الأب لوالديه، إذ يمكن أن يكون الأب طائعا لوالديه، ويأتي أولاده عصاة له، ويكون سبب عقوق الأولاد هو عدم تربيتهم التربية الصحيحة.

من الواضح علميا ما لقانون الوراثة من أثر في نقل الصفات عبر الجينات الوراثية، إذ إن قانون الوراثة يفعل فعله في نقل الصفات الباطنية الداخلية ذات الطابع المعنوي والأخلاقي. فالوراثة تؤدي دورا محوريا في تشكيل الشخصية والسلوك والسمات الفردية، حيث إن الإنسان لا يرث الجسد فقط، بل السلوك والشخصية أيضا. فهذه الجينات مثلما تتكفل بالتحكم بنقل الصفات الجسمية والشكلية الظاهرية للإنسان، فإنها تنقل الصفات المعنوية والأخلاقية أيضا. لقد أثبتت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون أمريكيون في جامعة بافلو، أن الجينات الوراثية تتحكم في سلوك وشخصية وطباع الإنسان، وقال الباحثون القائمون على الدراسة التي نشرتها مجلة العلوم النفسية، أن الإنسان لا يكتسب الطباع الحميدة كالسلوك الحسن والقلب الطيب أو الطباع الخبيثة كالكذب والكره والأنانية من الأشخاص المحيطين به أو البيئة التي نشأ بها، إنما هي خصال ولد بها، واكتسبها عبر الجينات الوراثية. إن الوراثة كما تؤثر في تحديد أغلب خصائص وصفات الشخصية؛ فهي تخلق في النفس الاستعداد والقابلية للاتصاف بهذه الصفة أو تلك، تظهر وتخرج من الذات إلى الموضوع، أو من القوة إلى الفعل، أو من النظرية إلى التطبيق، حسب البيئة المحيطة والظروف المعيشية المواتية المتوافرة لها. حيث إن هناك العديد من صفات الإنسان تعتمد على الاستعداد الجيني، تنمو وتترعرع بالاتجاه المناسب لها، لكنه يستطيع استئصال السلوكيات السلبية فيه وتحفيز الإيجابي منها من خلال الإرادة والعزم وبالتدريب والتربية المستمرة لنفسه، لإبطال مفعولها وتخليص النفس من شوائبها، بل وتحويلها إلى النقيض.

لا شك أنها عملية صعبة وشاقة تقتضي الإرادة والصبر والتدريب المستمر. دور الأسرة يحدد سلوك ومقومات الشخصية الفكرية والعاطفية والنفسيةـ حيث ينعكس التعامل مع الأبناء على اتزانهم النفسي والانفعالي، ولهذا يختلف الوضع النفسي من فرد إلى آخر في الأسرة الواحدة، أو في أسر متعددة، تبعا لنوع المعاملة معه من حيث الرعاية أو الإهمال.

لذا من الضرورة خلق محيط تربوي مناسب لإصلاح النفس الإنسانية، التي بدورها تنعكس إيجابا على إصلاح المجتمع الإنساني. إذن التربية والتوعية تعد الأسرة أهم خلية يتكون منها جسم المجتمع البشري إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله، في كنفها يتعلم النوع الإنساني أفضل أخلاقه. 
إذ فيها ينشأ الفرد وفيها تنطبع سلوكياته، وتبقى أثارها منقوشة فيه، يحملها معه، ويورثها ذريته من بعده.

الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، وتمثل الأساس الاجتماعي في تشكيل وبناء شخصيات أفراد المجتمع.