بمنتهى الصلف تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي تحديها المجتمع الدولي، وتقصف المدنيين الأبرياء العزل في قطاع غزة بالصواريخ والقذائف المحرمة دوليا مثل قنابل الفوسفور الأبيض التي يمنع القانون الدولي استخدامها في المناطق المكتظة بالسكان، لما لها من آثار وخيمة على الصحة العامة. ولم تكتف قوات الاحتلال بذلك، بل استمرت في تماديها وازدرائها القوانين والمعاهدات الدولية، ضاربة بها عرض الحائط وهي تستهدف المدارس والمستشفيات ودور العبادة، بما يشكل جرائم حرب ثابتة ومتكاملة الأركان.
فقد تجاوزت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي (حتى لحظة إعداد المقال) الـ8500 مدني، بينهم 3544 طفلا و2009 امرأة و467 مسنا، بينما وصل عدد المصابين والجرحى إلى أكثر من 20 ألف شخص، بالإضافة إلى نحو 2000 مفقود ما زالوا تحت الأنقاض من المدنيين.
هذه الأوضاع المزرية دفعت أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للتخلي عن تحفظه المعروف، فطالب من منصة مجلس الأمن الدولي إسرائيل بالكف عن استهداف المدنيين، وأشار إلى أن الشعب الفسلطيني «ظل يعاني العنف واحتلالا مستمرا منذ أكثر من 75 عاما، ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات، بعد أن خُنِقَ اقتصادُهم، ثم نزحوا عن أراضيهم، وهُدمت منازلهم، وتلاشت آمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم».
لم يكد المسؤول الأممي الرفيع ينتهي من حديثه حتى هاج ساسة إسرائيل، ووجهوا إليه أقذع الشتائم وأسوأ أنواع الإهانات والإساءات دون مراعاة أنه يقود أعلى منظمة دولية معنية ببسط السلام والاستقرار، لكنها لغة السباب التي اعتادت عليها دبلوماسية الاحتلال، ولم تعد تثير استغراب أحد.
وأمام إصرار ساسة إسرائيل على التمادي في هجومهم الدموي على المدنيين في غزة، ورفضهم مجرد التفاهم مع المجتمع الدولي، والاستماع لأصوات العقل التي حذرت من المضي في هذا الطريق المظلم الذي يقود إلى تراكم المرارات والإحساس بالغبن، مما يهدد باندلاع أعمال عنف مضادة، لم تجد الدول العربية غير اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتقدم بمشروع قرار لوقف دائرة العنف، وتوفير الحماية للمدنيين.
ففي يوم 27 أكتوبر الماضي، تقدمت المملكة الأردنية بمشروع قرار نيابة عن المجموعة العربية، ندّد بكل أعمال العنف الموجهة ضد المدنيين، ولا سيما الأعمال الإرهابية والهجمات العشوائية، ودعا إلى إقرار هدنة إنسانية فورية دائمة ومتواصلة تقود إلى وقف للعمليات العسكرية، وتوفير الماء والغذاء والوقود والكهرباء فورا وبكميات كافية، ووصول المساعدة الإنسانية بلا عوائق.
وحاز مشروع القرار أغلبية ساحقة، حيث أيدته 120 دولة وعارضته 14 فقط، بينما امتنعت 45 دولة عن التصويت من أصل 193 عضوا في الجمعية العامة، وتمت إجازة القرار وسط عاصفة من التصفيق المدوي، مما يؤشر بوضوح إلى اتجاهات الرأي العالمي حول هذه القضية.
اللافت في الأمر هو أن الموافقة على القرار أظهرت الانقسام الحاد الذي أصاب معسكر الدول الغربية التي كانت تساند الموقف الإسرائيلي عند بداية الأحداث، فبينما أيدته فرنسا امتنعت ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا عن التصويت، وصوتت ضده النمسا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن القرار لا يكتسب أي صفة إلزامية، فإن إجازته بهذه الأغلبية الساحقة، والانقسام الذي أصاب المعسكر الغربي يحملان مؤشرات بالغة الدلالة على حجم العزلة التي تعيشها إسرائيل، ومقدار الغضب الذي أحدثته هجماتها البربرية الوحشية على الأطفال والمدنيين الأبرياء في قطاع غزة، ولعل ذلك هو ما يبرر ردة الفعل العنيفة التي أبدتها تل أبيب فور إعلان نتيجة التصويت على القرار، حيث سارعت دبلوماسيتها المتشنجة - كالعادة - إلى إطلاق وابل من الشتائم بحق الدول التي أبدت موافقته عليه، ووصفتها بكلمات أقل ما يقال عنها أنها تشرح بوضوح الدرك السحيق الذي وصلت إليه وزارة خارجيتها.
ولم تقتصر دائرة الرفض والتململ من ممارسات إسرائيل الهمجية، وتسببها في شيوع حالة من التوتر العالمي على الدول العربية والإسلامية فقط، بل إن كل المنظمات الحقوقية الدولية أبدت بشجاعة رفضها هذه السياسات غير المسؤولة التي تضع العالم على فوهة بركان.
فقد حذرت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، على لسان المسؤولة في المنظمة ديبورا براون، من مغبة التجاوزات الإسرائيلية، مشيرة إلى أن قطع تل أبيب الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة يشكل غطاء لفظائع جماعية، ويخفي أدلة ضرورية على انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المرتكبة ضد الفلسطينيين، ويسهم في الإفلات من العقاب.
كما طالبت منظمة العفو الدولية إسرائيل، التي تكثف قصفها وتوسع هجماتها البرية، بالوقف الفوري لهجماتها العشوائية وغير المتناسبة، التي تسببت في مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وإعادة تشغيل البنية التحتية للإنترنت والاتصالات بشكل عاجل، كي تتمكن فرق الإنقاذ من إسعاف ونقل المصابين.
بدورها، أدانت منظمة الصحة العالمية تجاوزات تل أبيب بحق المستشفيات والمراكز الطبية. كما أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) رفضه الاعتداءات بحق المدنيين.
أما مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فقد أدانت بشدة «سياسات العقاب الجماعي التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين في غزة». وأكدت المتحدثة باسمها، رافينا شمداساني، أن ما تقوم به تل أبيب من عقاب الجماعي يعتبر جريمة حرب.
المؤسف أنه على الرغم من تلك المواقف القانونية الدولية الواضحة، فإن دولة الاحتلال تمضي في ممارساتها العدوانية، واستغلال الضوء الأخضر الذي منحتها إياه الإدارة الأمريكية، وهذ التساهل بالقوانين الذي يغري بقية الدول على السير في الاتجاه نفسه، ونخشى أن يأتي قريبا اليوم الذي تتحول فيه العهود والمواثيق والاتفاقات التي تحكم النظام العالمي إلى مجرد حبر على ورق، ليعود العالم مرة أخرى لشريعة الغاب التي يتحكم فيها الأقوياء.
فقد تجاوزت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي (حتى لحظة إعداد المقال) الـ8500 مدني، بينهم 3544 طفلا و2009 امرأة و467 مسنا، بينما وصل عدد المصابين والجرحى إلى أكثر من 20 ألف شخص، بالإضافة إلى نحو 2000 مفقود ما زالوا تحت الأنقاض من المدنيين.
هذه الأوضاع المزرية دفعت أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للتخلي عن تحفظه المعروف، فطالب من منصة مجلس الأمن الدولي إسرائيل بالكف عن استهداف المدنيين، وأشار إلى أن الشعب الفسلطيني «ظل يعاني العنف واحتلالا مستمرا منذ أكثر من 75 عاما، ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات، بعد أن خُنِقَ اقتصادُهم، ثم نزحوا عن أراضيهم، وهُدمت منازلهم، وتلاشت آمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم».
لم يكد المسؤول الأممي الرفيع ينتهي من حديثه حتى هاج ساسة إسرائيل، ووجهوا إليه أقذع الشتائم وأسوأ أنواع الإهانات والإساءات دون مراعاة أنه يقود أعلى منظمة دولية معنية ببسط السلام والاستقرار، لكنها لغة السباب التي اعتادت عليها دبلوماسية الاحتلال، ولم تعد تثير استغراب أحد.
وأمام إصرار ساسة إسرائيل على التمادي في هجومهم الدموي على المدنيين في غزة، ورفضهم مجرد التفاهم مع المجتمع الدولي، والاستماع لأصوات العقل التي حذرت من المضي في هذا الطريق المظلم الذي يقود إلى تراكم المرارات والإحساس بالغبن، مما يهدد باندلاع أعمال عنف مضادة، لم تجد الدول العربية غير اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتقدم بمشروع قرار لوقف دائرة العنف، وتوفير الحماية للمدنيين.
ففي يوم 27 أكتوبر الماضي، تقدمت المملكة الأردنية بمشروع قرار نيابة عن المجموعة العربية، ندّد بكل أعمال العنف الموجهة ضد المدنيين، ولا سيما الأعمال الإرهابية والهجمات العشوائية، ودعا إلى إقرار هدنة إنسانية فورية دائمة ومتواصلة تقود إلى وقف للعمليات العسكرية، وتوفير الماء والغذاء والوقود والكهرباء فورا وبكميات كافية، ووصول المساعدة الإنسانية بلا عوائق.
وحاز مشروع القرار أغلبية ساحقة، حيث أيدته 120 دولة وعارضته 14 فقط، بينما امتنعت 45 دولة عن التصويت من أصل 193 عضوا في الجمعية العامة، وتمت إجازة القرار وسط عاصفة من التصفيق المدوي، مما يؤشر بوضوح إلى اتجاهات الرأي العالمي حول هذه القضية.
اللافت في الأمر هو أن الموافقة على القرار أظهرت الانقسام الحاد الذي أصاب معسكر الدول الغربية التي كانت تساند الموقف الإسرائيلي عند بداية الأحداث، فبينما أيدته فرنسا امتنعت ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا عن التصويت، وصوتت ضده النمسا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن القرار لا يكتسب أي صفة إلزامية، فإن إجازته بهذه الأغلبية الساحقة، والانقسام الذي أصاب المعسكر الغربي يحملان مؤشرات بالغة الدلالة على حجم العزلة التي تعيشها إسرائيل، ومقدار الغضب الذي أحدثته هجماتها البربرية الوحشية على الأطفال والمدنيين الأبرياء في قطاع غزة، ولعل ذلك هو ما يبرر ردة الفعل العنيفة التي أبدتها تل أبيب فور إعلان نتيجة التصويت على القرار، حيث سارعت دبلوماسيتها المتشنجة - كالعادة - إلى إطلاق وابل من الشتائم بحق الدول التي أبدت موافقته عليه، ووصفتها بكلمات أقل ما يقال عنها أنها تشرح بوضوح الدرك السحيق الذي وصلت إليه وزارة خارجيتها.
ولم تقتصر دائرة الرفض والتململ من ممارسات إسرائيل الهمجية، وتسببها في شيوع حالة من التوتر العالمي على الدول العربية والإسلامية فقط، بل إن كل المنظمات الحقوقية الدولية أبدت بشجاعة رفضها هذه السياسات غير المسؤولة التي تضع العالم على فوهة بركان.
فقد حذرت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، على لسان المسؤولة في المنظمة ديبورا براون، من مغبة التجاوزات الإسرائيلية، مشيرة إلى أن قطع تل أبيب الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة يشكل غطاء لفظائع جماعية، ويخفي أدلة ضرورية على انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المرتكبة ضد الفلسطينيين، ويسهم في الإفلات من العقاب.
كما طالبت منظمة العفو الدولية إسرائيل، التي تكثف قصفها وتوسع هجماتها البرية، بالوقف الفوري لهجماتها العشوائية وغير المتناسبة، التي تسببت في مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وإعادة تشغيل البنية التحتية للإنترنت والاتصالات بشكل عاجل، كي تتمكن فرق الإنقاذ من إسعاف ونقل المصابين.
بدورها، أدانت منظمة الصحة العالمية تجاوزات تل أبيب بحق المستشفيات والمراكز الطبية. كما أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) رفضه الاعتداءات بحق المدنيين.
أما مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان فقد أدانت بشدة «سياسات العقاب الجماعي التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين في غزة». وأكدت المتحدثة باسمها، رافينا شمداساني، أن ما تقوم به تل أبيب من عقاب الجماعي يعتبر جريمة حرب.
المؤسف أنه على الرغم من تلك المواقف القانونية الدولية الواضحة، فإن دولة الاحتلال تمضي في ممارساتها العدوانية، واستغلال الضوء الأخضر الذي منحتها إياه الإدارة الأمريكية، وهذ التساهل بالقوانين الذي يغري بقية الدول على السير في الاتجاه نفسه، ونخشى أن يأتي قريبا اليوم الذي تتحول فيه العهود والمواثيق والاتفاقات التي تحكم النظام العالمي إلى مجرد حبر على ورق، ليعود العالم مرة أخرى لشريعة الغاب التي يتحكم فيها الأقوياء.