في طرف من أطراف الفيس بوك، وجدت أحد الأصدقاء الذين فارقوا الوطن لسنوات طوال يرفع من سوية التهكم وهو يعلق بالقول «قريبا: المحموص الحساوي»، تعليق يبدو وكأنه دعوة للالتفاف حول مأدبة بها ملح كثيف، وأطباق معدة في مطابخ الهويات المتناثرة في هذا الإقليم، حيث الحب والحماسة يمارسان فعلهما في إعادة تسمية الأشياء، وترتيب أنسابها التي لا تعدم التداخل والتقارب، ولا تعرف الاختلاف إلا في كرم التسميات، وشموخ الأمنيات.
المحموص في التعليق إياه ليس طبقا من طعام، بل تجليا من تجليات المكان، ومعتقدات ناسه، مضافا إليها خبراتهم الثقافية والاجتماعية، هو الشيء الذي يذكرهم بالتمايز هوياتيا ولو من خلال رائحة ولون البصل المحموص في جوف الرز، فكما تبنى أجسادنا بالطعام، كذلك تبنى هوياتنا، فهذا الطعام هو الدليل لناسه على الانتصار على الوقت وتحولاته، فعلى الرغم من كل الاختراقات الذوقية التي حدثت في مأكل الناس، ظل المحموص صامدا تعرفه أصابع العابرين من فضاءات المكان، داخل المواسم الحزينة وخارجها، فما كان منذورا لليالي الحزن، بات دليلا مرشدا على سطوة هذا المأكول على القلب والمزاج والمعدة على حد سواء.
الذي يرمي إليه التعليق غير مكتوب، هو معلق في أذهان قارئيه، في ابتسامتهم الماكرة وهم ينظرون للوصف كعبارة غير واقعية، لكنها في الوقت ذاته تستفز الواقع وتذكره بالكثير من الأشياء التي اتخذت لها موعدا مع وصف «حساوي» مؤخرا، تحت سماء أشرعت أبوابها لمختلف المواعيد، الغناء والتغني بالمكان أخذ الصعود المستحق لواحة النخيل ناحية منحنيات التسويق، والركض في طريق مزدحم برغبات الخلود، والتمايز، والتعبير عن الأصالة والاتصال بعنوان الطبيعة.
بالأمس استدار الناس هنا وهناك فوجدوا البحر والنخل يحيطان بالمكان، استعاروا من كليهما قوائم الطعام، كما استعاروا ذوقهم ونمط حياتهم، خياراتهم المحدودة جعلتهم يبدعون في ابتكار الأطباق، تشاركوا مع الإقليم في تعلم لغة الطعام، فقد أدركوا من أول الدرس أن المكان هو أول العلامات الفارقة في صناعة الطعام، قد تختلف التسميات أحيانا، غير أن السطر الأخير لكل طبق هو الدليل على تشابه القصص في مطابخنا، لا يمكن نكران سطوة الريف في شكل ورائحة الطعام الحساوي، في مقابل سطوة البحر في مزاج ورائحة الطعام القطيفي، إلا أن الحساوي غاص في ريفه كما لم يغص القطيفي فأحال منتجات بيئته إلى مائدة ممتدة، لا تشبه إلا التنوع في الكائنات البحرية التي كان يتفنن القطيفي في اصطيادها.
والحال أن استعادة الريف في الأحساء جلبت معها إلى المشهد نصوصا كثيفة، بعضها حاضر في الذاكرة، وبعضها الآخر من ابتكارات المسوقين الذين استرخصوا لغة التسويق، ما جعل بعضها عنوانا للتندر عند الأحسائيين قبل سواهم، صارت الماركة المسجلة مفتوحة على حدود الرغبة في إعادة كتابة الماضي والحاضر والمستقبل، وتحويل السياحة إلى سياحة في الأوصاف والألقاب، فجرى ابتكار تسميات بعضها نيء وبعضها الآخر صعب الهضم، بينما شهية المسوقين ماضية بإضافة الكثير من التوابل على مشهد العلاقة بين المكان والطعام، والتي سيقابلها بين وقت وآخر طيف من المتذوقين الذين لا يحتملون المبالغة في النكهات!.
المحموص في التعليق إياه ليس طبقا من طعام، بل تجليا من تجليات المكان، ومعتقدات ناسه، مضافا إليها خبراتهم الثقافية والاجتماعية، هو الشيء الذي يذكرهم بالتمايز هوياتيا ولو من خلال رائحة ولون البصل المحموص في جوف الرز، فكما تبنى أجسادنا بالطعام، كذلك تبنى هوياتنا، فهذا الطعام هو الدليل لناسه على الانتصار على الوقت وتحولاته، فعلى الرغم من كل الاختراقات الذوقية التي حدثت في مأكل الناس، ظل المحموص صامدا تعرفه أصابع العابرين من فضاءات المكان، داخل المواسم الحزينة وخارجها، فما كان منذورا لليالي الحزن، بات دليلا مرشدا على سطوة هذا المأكول على القلب والمزاج والمعدة على حد سواء.
الذي يرمي إليه التعليق غير مكتوب، هو معلق في أذهان قارئيه، في ابتسامتهم الماكرة وهم ينظرون للوصف كعبارة غير واقعية، لكنها في الوقت ذاته تستفز الواقع وتذكره بالكثير من الأشياء التي اتخذت لها موعدا مع وصف «حساوي» مؤخرا، تحت سماء أشرعت أبوابها لمختلف المواعيد، الغناء والتغني بالمكان أخذ الصعود المستحق لواحة النخيل ناحية منحنيات التسويق، والركض في طريق مزدحم برغبات الخلود، والتمايز، والتعبير عن الأصالة والاتصال بعنوان الطبيعة.
بالأمس استدار الناس هنا وهناك فوجدوا البحر والنخل يحيطان بالمكان، استعاروا من كليهما قوائم الطعام، كما استعاروا ذوقهم ونمط حياتهم، خياراتهم المحدودة جعلتهم يبدعون في ابتكار الأطباق، تشاركوا مع الإقليم في تعلم لغة الطعام، فقد أدركوا من أول الدرس أن المكان هو أول العلامات الفارقة في صناعة الطعام، قد تختلف التسميات أحيانا، غير أن السطر الأخير لكل طبق هو الدليل على تشابه القصص في مطابخنا، لا يمكن نكران سطوة الريف في شكل ورائحة الطعام الحساوي، في مقابل سطوة البحر في مزاج ورائحة الطعام القطيفي، إلا أن الحساوي غاص في ريفه كما لم يغص القطيفي فأحال منتجات بيئته إلى مائدة ممتدة، لا تشبه إلا التنوع في الكائنات البحرية التي كان يتفنن القطيفي في اصطيادها.
والحال أن استعادة الريف في الأحساء جلبت معها إلى المشهد نصوصا كثيفة، بعضها حاضر في الذاكرة، وبعضها الآخر من ابتكارات المسوقين الذين استرخصوا لغة التسويق، ما جعل بعضها عنوانا للتندر عند الأحسائيين قبل سواهم، صارت الماركة المسجلة مفتوحة على حدود الرغبة في إعادة كتابة الماضي والحاضر والمستقبل، وتحويل السياحة إلى سياحة في الأوصاف والألقاب، فجرى ابتكار تسميات بعضها نيء وبعضها الآخر صعب الهضم، بينما شهية المسوقين ماضية بإضافة الكثير من التوابل على مشهد العلاقة بين المكان والطعام، والتي سيقابلها بين وقت وآخر طيف من المتذوقين الذين لا يحتملون المبالغة في النكهات!.