فاطمة المزيني

الأزياء جزء من التراث غير المادي للشعوب، وتعد مخزونا ثقافيا يؤرخ للذاكرة والسلوك ولظروف تطور الذائقة الشعبية تبعا لما مرت به من ظروف اقتصادية ومناخية ودينية وسياسية وغيرها.

وأهم طريقة لحفظ هذا الموروث المهم هو تطويره ليكون قابلا للاستخدام في كل العصور.

وكنموذج على هذا نرى الزي الرجالي العربي المستخدم في السعودية ودول الخليج، الذي أصبح أكثر أناقة بتطور الخامات والتصاميم مع الحفاظ الكامل على هويته، فأصبح اليوم لباسا عصريا بل وزيا رسميا مشهورا.

لكن الذي نفتقده اليوم هو تطوير الأزياء الشعبية النسائية، التي اختفت فعلا وأصبحت نوعا من الفلوكلور فلم تعد عملية للاستخدام اليومي، واقتصر ارتداؤها على بعض الاحتفالات أو المناسبات أو في واجهات المتاحف.

كان من أسباب تراجع الأزياء النسائية الشعبية في السعودية انتشار الموضة الغربية في العالم بشكل عام وتأثرنا الكبير بها، وكذلك مرورنا بمرحلة اعتمدت فيها العباءة السوداء كلباس خروج موحد للمرأة.

ونرى اليوم محاولات واضحة لتطوير الزي النسائي لدى عدد من المصممين لكنهم أيضا ما زالوا يشتغلون على تطوير العباءة بإضافة مزيد من الألوان والخطوط، بهدف زيادة الخيارات أمام السيدات. لكن الحقيقة التاريخية هي أن العباءة السوداء كانت فقط رداء خارجيا، وكانت تصنع غالبا من أقمشة خفيفة تلف فوق الملابس، فالتركيز عليها يفوت مجالات الإبداع الكامنة في بقية الثياب والفساتين والمطرزات التي اشتهرت بها السعوديات منذ القدم.

في السعودية المئات من المناطق والأقاليم والقبائل والأعراق والعشرات من طرق العيش وأشكال الحياة الاجتماعية. نتحدث إذا عن تنوع إنساني كبير أنتج فسيفساء ثقافية ثرية جدا، وقد كانت الملابس ولا تزال جزءا منها.

فمنذ القدم تنوعت الملابس النسائية حسب المناسبات والبيئات والمكانة الاجتماعية، وشملت الثياب والأوشحة والإكسسوارات، وأعتقد أنه حان الوقت لاستخراج هذا الموروث العظيم وبث روح العصر فيه من جديد، وهذه مهمة يجب أن يتبناها ويرعاها مصممو الأزياء السعوديون بشكل أساسي.

ومما يلاحظ أن الشعوب الشرقية هي الأشهر على مستوى العالم في تطوير أزيائها التقليدية النسائية، فما زالت المرأة اليابانية اليوم ترتدي الكيمونو والصينية ما زالت ترتدي الهانفو والهندية ترتدي الساري، بل إن مضيفات الطيران في ماليزيا يلبسن زيا مكونا من قطعتين بالنمط التقليدي الماليزي.

لا شك أن فن تصميم الأزياء في السعودية وصل اليوم للعالمية، ولدى مصممينا القدرة والإبداع الكافي لإخراج أزيائنا الشعبية من خزائن الفلكلور وتحويلها إلى قطع عصرية عملية أنيقة، ومحتشمة ومناسبة للارتداء في العمل والسفر والمناسبات الاجتماعية وغيرها.

غياب الأزياء النسائية الشعبية هو فقدان لجزء من مخيلتنا المعرفية وانقطاع لقصتنا الحضارية، وأعتقد أن إعادة الاهتمام بالأزياء النسائية السعودية، فضلا عن مردوده الاقتصادي وتغييره لنمط الحياة في السعودية والعالم، سيكون قوة ثقافية ناعمة، وتعبيرا جميلا عن تاريخنا ورمزياتنا وقيمنا.