عواجي النعمي

روج الإعلام الأمريكي لذلك الحلم منذ العام 1931م وبأنه باستطاعة الشعب الأمريكي أن يحقق حياة أفضل وأكثر ثراء وسعادة، وأن أمريكا هي منارة الحرية والحقوق والازدهار. وصدق الكثير هذا الحلم إلا أنه ومع بداية القرن الحالي تزايد عدد من فقدوا الثقة في هذا الحلم الزائف.

إن الأصل في علاقة البشر هو المشاركة والانتماء والاحترام وليس هناك ما يبرر كسر أو قطع هذه العلاقات لاعتبارات شخصية أو مزاعم ذاتية.

والمؤسف أن بعض القوى والدول وصلت إلى مرحلة شيطنة الطرف الآخر مع عدم الاعتراف بالاختلاف والتعددية، وأن لكل دولة ومجتمع الحق في أن تكون له الأولوية في اتخاذ القرارات والخيارات لما فيه خير تلك الدولة ومجتمعها.

إن شيطنة الآخرين هو أسلوب خطير وله دلالة أننا لن نستمع إلى أي صوت آخر عدا صوتنا وسيكون سببًا في إغلاق كل الأبواب وإزالة كل المساحات المشتركة لاحتواء الاختلافات في وجهات النظر، وستؤدي إلى تأجيج الصراعات القائمة وزيادة الفجوة في العلاقات. وما يدعو إلى الطمأنينة وراحة البال أن الشعوب أصبحت أكثر وعيًا في معرفة تلك الأساليب الملتوية، وأصبحت أكثر إدراكا لمعرفة العدو الحقيقي.

العالم حاليًا يعيش تهديدًا بحرب عالمية ثالثة وجميع الأسباب التي أدت إلى التوتر وإشعال شرارة الأزمة كانت مبنية على أكاذيب بل على مشهد متكرر لما يحدث منذ العام 1945 وإلى الآن من قبل الكابوس الأمريكي كما يقول الكاتب جون بيلجر، هذا الكابوس الذي تسبب في الإطاحة بأكثر من حكومة معظمها وصل إلى كرسي الرئاسة بالطرق الديمقراطية مع التدخل في انتخابات 30 دولة وتحريفها عن مسارها الصحيح، وكذلك استخدام أسلحة الدمار الشامل في عدد من البلدان.

وكان ذلك الكابوس سببًا مباشرًا في تشريد الشعوب وسرقة واستنزاف مصادر دخلها. إن الكابوس الأمريكي في كل مرة يخلق عدوًا وهميًا فمرة الشيوعية ثم الإسلامية وأخيرًا دول الاحتكار للطاقة.

إن الشعوب العاقلة والناضجة بدت تعلم يقينًا أن ذلك الكابوس هو من يهاجم كل بلد مستقر ومستقل عن الهيمنة الأمريكية فيحتل أراضيه ويصادر كل موارده. إن ما يحصل في أوكرانيا اليوم لم يكن حدثا بين ليلة وضحاها بل هو عمل تم الإعداد له منذ سنوات كأعمال الربيع العربي واحتلال أفغانستان وتدمير العراق.

دعونا نتحدث عن ذلك الحلم وهل ما زال هناك من يريد أن يحققه، إن الواقع الأمريكي حاليًا يؤكد أن الغالبية من الأمريكيين لا يملكون أي مدخرات وأن أمريكا لديها أزمة سكن وطاقة وأن التعليم الجامعي ليس متاحًا للجميع، وليس مجانيًا وأنها من أكبر الدول في انتشار الجريمة وعدد السجون، وأن المرض للفئة الفقيرة يعني الموت بسبب عدم توفر التأمين الطبي للملايين من الأمريكيين. وأن السلاح منتشر بشكل عشوائي وأن الأبرياء والأطفال في المدارس يدفعون ثمنًا غاليًا بسبب هذه الفوضى. وأن النظام الضريبي هو من أسوأ الأنظمة على الصعيد العالمي، وأنه رغم التبجح بالحريات والمساواة إلا أن العنصرية ما زالت متغلغلة ومتجذرة، وأخيرًا فإن الدولار الأمريكي في خطر حقيقي، وإن العالم على أعتاب منظومة مالية جديدة مع استمرار تخلي العقلاء عن الكابوس الأمريكي.