ما كدنا نأخذ مقاعدنا على الطائرة حتى قيل لركابها: انزلوا، وعدنا إلى قاعة استقبال المطار بعد انصراف من كانوا فيها من الأصدقاء بطبيعة الحال، وظللنا نحو ساعتين، في انتظار إصلاح ما ألم بالطائرة، بين ما تيسر من الوجبات الخفيفة.. والتأملات. !
ويبدو الانتظار مملا في مثل هذه الحالة، وإن كان هو خيرا من الكارثة، أو من العودة الى المطار بعد اكتشاف الخلل في الجو!.
ثم حلقت بنا الطائرة، تجتاز مسافة طويلة على البر والبحر، حتى بدت مشارف «بانكوك» بجداولها وأنهارها، وبمصانع يرتفع دخانها.. وحقول خضراء وسهـول لا يمل النظر عبرها إلى صنع الخلاق، الذي أتقن كل شيء على الأرض وسواها مما خلق.
ولم يستنفد سفرنا أكثر من ثلاث ساعات، غير أن الوقت في «بانكوك» كان يزحف إلى المساء، فكأنما هي خمس ساعات، باحتساب فرق الزمن، بين «نيودلهی» و «بانكوك» وهو فرق يعود مرة أخرى لحساب المسافر إذا قدر له الإياب. وصادف يومها أحد أعياد أهل «بانكوك» والناس في عطلة وزحام شديد، يعرقل حركة المرور، وهي تجرى إلى اليسار هناك، وفي منطقة الشرق الأقصى عموما، على النظام الإنجليزي الذي كان يحكم المنطقة، ثم نزح وظلت بصماته عليها، في الظاهر والباطن، في صور شتی!.
وفي بانكوك ألوان من الناس.. من أهلها ومن غير أهلها.. من الصين والهند.. والملايو، من البلدان المجاورة كلها أو معظمها، ولكنهم على اختلافهـم تتشابه ملامحهم كأهل المناطق الأخرى، فإن النظرة الأولى إلى هذا الخليط في «بانكوك» أو الى أية مجموعة متشابهة كالعرب والأفارقة والأوربيين أو غيرهم ـ لا تكاد تدرك الفرق بين بلد وآخر على وجه التحديد، إلا بعد الكلام والحوار ممن يعرف لغاتهم، وليس بغريب أن يختلف أبناء آدم وحواء، ولكن الغريب أن يتفقـوا منـذ كانوا.
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك.. ولذلك خلقهم.. ولقد تطورت «تايلاند» و«بانكوك» عاصمتها على ما كانت عليه من قبل، بما يبدو أكبر من حجم الزمن الذي تطورت فيه.
ولكن أي تطور أو حضارة لا تستقيم على المبادىء الفاضلة، ستذهب والناس معها إلى الهاوية بعد حين يطول أو يقصر، ولكنه آت على كل حال. وهناك بعد الحضارة أو قبلها في بلاد من طراز «تايلاند»، عامل القلق وانتظـار المفاجآت خاصة في الأيام الأخيرة، بعد تطور الزحف الشيوعي حواليها، والتهام أجزاء من عصابات هذا الزحف، التي تتزايد وتطغى دائما..
وأهل اليمين الذين أصبح شعار اليسار في مواجهتهم كالنار الحمراء، لا تدل تصرفاتهم إلا على أنهم حمقى، يلعبون بالنار وبالشعوب المغلوبة على أمرها في انتظار قدرها المحتوم !.
واللعنة لأهل اليسار مع براعة واضحة في التخطيط لأغراضهم.. في «تايلاند» وسواها، فما يتطلبه المد الشيوعي ليس هو أن يصل.. بل أن يحكم ويستقر، سواء ذهبت القوة الأمريكية التي يطالب «التايلانديون» بذهابها أو استمرت، حتى يجتاحها ومن معها زحف أهل اليسار، وإنهاء حالة القلق السائدة، مع أن كل شيء يسير في مجراه الطبيعي.. في المنطقة!.
ثم شددنا الرحال بعد ليلة واحدة في «بانكوك» ومن مطارها، الذي يتأهب لطوارئ السلم والحرب معا ـ إلى الجو مرة أخرى.. وأخذت أنظر من نافذة الطائرة إلى المراتع الخصبة التي سيبتلعها المد الشيوعي.. والفضل لسياسة العالم الحر!.
1959*
*كاتب ووزير أسبق سعودي «1910- 1994».
ويبدو الانتظار مملا في مثل هذه الحالة، وإن كان هو خيرا من الكارثة، أو من العودة الى المطار بعد اكتشاف الخلل في الجو!.
ثم حلقت بنا الطائرة، تجتاز مسافة طويلة على البر والبحر، حتى بدت مشارف «بانكوك» بجداولها وأنهارها، وبمصانع يرتفع دخانها.. وحقول خضراء وسهـول لا يمل النظر عبرها إلى صنع الخلاق، الذي أتقن كل شيء على الأرض وسواها مما خلق.
ولم يستنفد سفرنا أكثر من ثلاث ساعات، غير أن الوقت في «بانكوك» كان يزحف إلى المساء، فكأنما هي خمس ساعات، باحتساب فرق الزمن، بين «نيودلهی» و «بانكوك» وهو فرق يعود مرة أخرى لحساب المسافر إذا قدر له الإياب. وصادف يومها أحد أعياد أهل «بانكوك» والناس في عطلة وزحام شديد، يعرقل حركة المرور، وهي تجرى إلى اليسار هناك، وفي منطقة الشرق الأقصى عموما، على النظام الإنجليزي الذي كان يحكم المنطقة، ثم نزح وظلت بصماته عليها، في الظاهر والباطن، في صور شتی!.
وفي بانكوك ألوان من الناس.. من أهلها ومن غير أهلها.. من الصين والهند.. والملايو، من البلدان المجاورة كلها أو معظمها، ولكنهم على اختلافهـم تتشابه ملامحهم كأهل المناطق الأخرى، فإن النظرة الأولى إلى هذا الخليط في «بانكوك» أو الى أية مجموعة متشابهة كالعرب والأفارقة والأوربيين أو غيرهم ـ لا تكاد تدرك الفرق بين بلد وآخر على وجه التحديد، إلا بعد الكلام والحوار ممن يعرف لغاتهم، وليس بغريب أن يختلف أبناء آدم وحواء، ولكن الغريب أن يتفقـوا منـذ كانوا.
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك.. ولذلك خلقهم.. ولقد تطورت «تايلاند» و«بانكوك» عاصمتها على ما كانت عليه من قبل، بما يبدو أكبر من حجم الزمن الذي تطورت فيه.
ولكن أي تطور أو حضارة لا تستقيم على المبادىء الفاضلة، ستذهب والناس معها إلى الهاوية بعد حين يطول أو يقصر، ولكنه آت على كل حال. وهناك بعد الحضارة أو قبلها في بلاد من طراز «تايلاند»، عامل القلق وانتظـار المفاجآت خاصة في الأيام الأخيرة، بعد تطور الزحف الشيوعي حواليها، والتهام أجزاء من عصابات هذا الزحف، التي تتزايد وتطغى دائما..
وأهل اليمين الذين أصبح شعار اليسار في مواجهتهم كالنار الحمراء، لا تدل تصرفاتهم إلا على أنهم حمقى، يلعبون بالنار وبالشعوب المغلوبة على أمرها في انتظار قدرها المحتوم !.
واللعنة لأهل اليسار مع براعة واضحة في التخطيط لأغراضهم.. في «تايلاند» وسواها، فما يتطلبه المد الشيوعي ليس هو أن يصل.. بل أن يحكم ويستقر، سواء ذهبت القوة الأمريكية التي يطالب «التايلانديون» بذهابها أو استمرت، حتى يجتاحها ومن معها زحف أهل اليسار، وإنهاء حالة القلق السائدة، مع أن كل شيء يسير في مجراه الطبيعي.. في المنطقة!.
ثم شددنا الرحال بعد ليلة واحدة في «بانكوك» ومن مطارها، الذي يتأهب لطوارئ السلم والحرب معا ـ إلى الجو مرة أخرى.. وأخذت أنظر من نافذة الطائرة إلى المراتع الخصبة التي سيبتلعها المد الشيوعي.. والفضل لسياسة العالم الحر!.
1959*
*كاتب ووزير أسبق سعودي «1910- 1994».