لاقت هذه المبادرة تفاعلا كبيرًا في المجتمع السعودي وبين المقيمين، ورصد المراقبون آثارها الفورية التي لم تقتصر على المشاركة الثقافية فقط، بل انعكست على مشاعر المواطنين والمقيمين على حد سواء، مما يطرح تساؤلا عن إمكانية تطوير المبادرة لتشمل عددًا أكبر من الفعاليات، وفي مقدمتها الفعاليات الثقافية.
أعتقد أن تنظيم فعاليات من هذا القبيل تحتفي بالتراث الثقافي للشعوب، وتركز على الشعر والأدب والفلسفة والمسرح سيكون لها أكبر الأثر في تعزيز التواصل الإنساني، ودعم التاريخ الفكري المشترك للبشرية.
تمتلك السعودية مقومات كبرى تؤهلها لتكون حاضنة ثقافية عالمية، فبالإضافة لانتشار الفعاليات الثقافية والمهرجانات الفنية يتميز المجتمع السعودي بانفتاحه على العالم، فهو في الأصل مجتمع متنوع الثقافات، فضلا عن تأثير السياحة والبعثات، ما شكل تجربة ثقافية واعية، إضافة إلى الاحتكاك الدائم بالثقافات الأخرى.
ولتعميم مبادرة «انسجام عالمي» على قطاع الثقافة، يمكن اتخاذ خطوات متعددة لتعزيز التفاهم الثقافي والتنوع داخل المجتمع عبر البرامج والمشروعات الثقافية، ومنها:
أولا.. إنشاء برامج ثقافية تعكس التنوع، وذلك بتنظيم مهرجانات ثقافية دولية تستضيف فرقًا وفنانين من مختلف البلدان، يتم فيها تقديم عروض مسرحية وفنية وموسيقية، وكذلك فعاليات الأدب والشعر متعددة الثقافات إذ يمكن تنظيم أمسيات أدبية وشعرية تجمع أصواتًا من مختلف الثقافات.
ثانيًا.. تشجيع التعاون الفني والثقافي الدولي بإقامة ورش عمل ومعارض مشتركة لاستعراض الأعمال الفنية المستوحاة من الثقافات المختلفة، إضافة إلى تبادل الخبرات بين المؤسسات الثقافية عبر برامج تبادل بين المتاحف والمؤسسات الثقافية.
ثالثًا.. برامج تعليمية وتراثية للتعريف بالثقافات قد يكون ذلك بإطلاق برنامج حول «ثقافات العالم» في المدارس، ويمكن اعتماد برامج تعليمية لتعريف الطلاب بالثقافات المختلفة، عبر دروس التاريخ والفنون، أو من خلال فعاليات تُقام داخل المدارس وتعرف الطلاب بالعادات والتقاليد العالمية.
كما يمكن إقامة ورش تعلم الفنون التقليدية العالمية لتعريف الجمهور السعودي بمختلف الفنون التقليدية، مثل الفخار، الرسم، الحرف اليدوية.
رابعًا.. تشجيع الإنتاج الثقافي المشترك عن طريق إنتاج أفلام ومسلسلات متعددة الثقافات بما في ذلك الأفلام الوثائقية أو القصصية.
وكذلك الاهتمام بالترجمة الأدبية إذ يمكن تدشين مبادرة لترجمة الأعمال الأدبية العالمية إلى العربية، والعكس كذلك مما يؤدي لنشر الأدب السعودي عالميًا.
خامسًا.. إطلاق منصات رقمية ومتاحف تفاعلية بحيث تعرض القطع التراثية والفنون العالمية.
سادسًا.. تعزيز السياسات الثقافية الشاملة، وذلك بتطوير سياسات مرنة تدعم الثقافة المتنوعة، ومن ذلك إنشاء جوائز سنوية أو موسمية تكافئ التميز الثقافي المتنوع لتكريم المبدعين من مختلف الخلفيات الثقافية.
ختامًا.. إن تعميم مبادرة «انسجام عالمي» على قطاع الثقافة يعني تعزيز التفاهم والتواصل الثقافي، وبناء جسور قوية للتبادل المعرفي والفني. تسهم هذه المبادرات في خلق بيئة ثقافية غنية بالتنوع، تجعل المملكة مركزًا يحتضن مختلف الثقافات ويثري مجتمعه بتراث الشعوب وتجاربهم.