مع تسارع العولمة التقنية ظهرت شركات عملاقة تسيطر على أسواق واسعة، وتحقق أرباحًا هائلة عبر الاعتماد على التكنولوجيا، هذه الشركات غالبًا ما تكتسب قوة اقتصادية واجتماعية كبيرة، ما يؤدي إلى حالة من الاحتكار في مجالات عديدة، خاصة في سوق البيانات والإعلانات الرقمية والتجارة الإلكترونية.

نمت الشركات التقنية الكبرى بشكل غير مسبوق، بفضل الابتكار المستمر والتوسع السريع في الأسواق الجديدة، هذه الشركات استطاعت الاستحواذ على منافسيها الأصغر بشكل مباشر أو غير مباشر، ما أدى إلى تركيز القوة في أيدي عدد قليل من الشركات.

استحواذ شركات كبرى على تطبيقات ومنصات تواصل اجتماعي شهيرة يعكس الرغبة في السيطرة على سوق المستخدمين، مما يقلل من الخيارات المتاحة للمستهلكين.


أحد أبرز أشكال الاحتكار في العولمة التقنية هو سيطرة هذه الشركات على البيانات، وذلك من خلال جمع وتحليل بيانات المستخدمين، تستطيع الشركات بناء نماذج سلوكية دقيقة توضح السلوكيات البشرية العامة والخاصة، ما يعطيها ميزة تنافسية على الشركات الأخرى، وعندئذ يصبح المستخدمون رهينة لهذا الاحتكار، حيث تتقلص خياراتهم في خصوصية البيانات، ويخضعون لتوجيهات هذه الشركات التي تحدد كيفية استهلاكهم للمحتوى والخدمات.

مع احتكار الشركات العملاقة لسوق الإعلانات الرقمية، شهدت الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبة متزايدة في الوصول إلى جماهيرها المستهدفة، حيث تتحكم الشركات الكبرى في أسعار الإعلانات وفي خوارزميات عرضها، ما يؤدي إلى ارتفاع التكلفة على المعلنين، هذه التكلفة المتزايدة تؤثر سلبًا في القدرة التنافسية للشركات الناشئة، وتجعل من الصعب عليها جذب العملاء أو توسيع نطاق أعمالها.

تؤدي حالة الاحتكار إلى تقليل الحافز للابتكار، عندما تسيطر شركة واحدة على قطاع معين، يصبح لديها ميل للتقليل من الإنفاق على البحث والتطوير، خاصة مع غياب المنافسة التي تدفعها للتجديد المستمر وفي هذا السياق، تقل فرص دخول شركات جديدة بأفكار إبداعية، ما يؤدي إلى تباطؤ في وتيرة الابتكار، وهذا ينعكس سلبًا على السوق والمستهلكين.

على الرغم من التحديات التي يطرحها هذا النوع من الاحتكار، يمكن للمجتمع الدولي أن يسهم في وضع سياسات فعالة تحد من سيطرة هذه الشركات، من خلال تشجيع المنافسة، وإصدار قوانين تحمي حقوق المستهلكين والبيانات، ويظل الهدف الأساسي هو خلق بيئة تنافسية تعزز الابتكار، وتدعم الاقتصاد بشكل مستدام.