هادي اليامي

أكد تحالف دعم الشرعية في اليمن من جديد التزامه بمبادئ القانون الدولي الإنساني، ومراعاته وتقيده بقواعد الاشتباك المعمول بها دوليا، وتطبيقه الفعلي للقواعد القانونية المنصوص عليها في الصكوك والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة منذ بدء تدخله في الأزمة اليمنية، بناء على طلب رسمي من الحكومة الشرعية التي دعت المملكة وبقية الدول العربية لمساعدتها في التصدي لجماعة الحوثيين الانقلابية المدعومة من طهران.

أول من أمس كشف المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي في مؤتمر صحفي العديد من الحقائق المذهلة، وأثبت بالأدلة انخراط حزب الله اللبناني الإرهابي في الأزمة اليمنية، ووجود العديد من كوادره الذين يديرون العمليات بتوجيه مباشر من النظام الإيراني، في تجسيد واضح للمؤامرة التي تستهدف تدمير اليمن واستغلاله للإساءة إلى محيطه العربي.

المالكي فاجأ الحوثيين أنفسهم بإعلانه أن قيادة التحالف تعلم كافة ما يدور في اليمن، حتى الأماكن التي تختبئ فيها قيادات الميليشيات، وتوعدهم برد مزلزل في القريب العاجل.

وللحقيقة فإن الضربات الساحقة التي وجهها التحالف للانقلابيين خلال الفترة الماضية وتدميره جزءا كبيرا من ترسانة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، بعد معلومات استخبارية دقيقة أحدثت ارتباكا شديدا وسط الحوثيين، وجعلتهم يشنون حملة اعتقالات واسعة وسط صفوفهم بتهم التعامل مع التحالف، وهو ما يكشف بوضوح حقيقة الوضع الذي يعيشونه.

حديث المالكي عن معرفة التحالف بأماكن وجود قادة الميليشيات وعدم المسارعة لقصف تلك الأماكن يعود بالدرجة الأولى إلى الحرص على سلامة المدنيين، وعدم تعريض حياتهم لأي خطر، فمن المعلوم أن جماعة الحوثيين تتخذهم دروعا بشرية وتقيم معسكراتها وقواعدها وسط الأحياء السكنية.

هذا النهج الإنساني الذي تتبعه قيادة التحالف يأتي تنفيذا لتوجيهات صارمة من القيادة السعودية للالتزام بالمعاهدات والقوانين الدولية التي تحكم قواعد الاشتباك، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة، وكافة المواثيق ذات الصلة بالقانون الإنساني وقواعده العرفية.

ومنذ بدء عملياته تمسك التحالف بالحرص على الالتزام بقواعد الاشتباك، وهو ما ثبت في التعامل الإيجابي مع الوساطة الدبلوماسية التي قادتها سلطنة عمان ودولة العراق، بالسماح بإجلاء ضابط الحرس الثوري الإيراني، حسن إيرلو، عبر طائرة إخلاء طبي عراقية، تقديرا لظروفه الإنسانية بعد أن تدهورت حالته الصحية، حيث باشرت قوات التحالف تسهيل نقل المذكور وخروجه من الأجواء اليمنية، رغما عن أنه كان السبب المباشر في التدهور الأمني الذي تشهده مأرب في الوقت الحالي، نتيجة لتدخلاته المستمرة في الشأن اليمني.

الدوافع التي حملت المملكة على التعاطي الإيجابي مع هذه الحالة متعددة، ومنها الحرص على القيم الإسلامية الصحيحة التي تنطلق منها في كافة تعاملاتها، والالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني، إضافة إلى تقدير موقف الأشقاء في مسقط وبغداد، لذلك لم تتردد في منح موافقتها وتقديم كافة ما يلزم لأجل إنجاز المهمة.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي تتعامل فيها قيادة التحالف مع عناصر الحرس الثوري بمنطلقات إنسانية، ففي عام 2019 استجابت لنداء استغاثة أطلقته السفينة العسكرية الإيرانية (سافيز) في عرض البحر الأحمر بعد تعرض أحد أفرادها المرتبطين بالعمليات القتالية في اليمن لعارض صحي مفاجئ هدد حياته، حيث تم نقله للعلاج بأحد مستشفيات المملكة لفترة طويلة، ومن ثم نقله عبر طائرة إخلاء طبي إلى مسقط بعد وساطة من الأشقاء في سلطنة عمان لإعادته وتسليمه لدولته.

الدرس الآخر الذي قدمه التحالف تمثل في عدم التسرع بقصف مخازن تحتوي على كميات كبيرة من الأسلحة من ضمنها طائرات مسيرة وصواريخ باليستية بعد اكتشاف أمرها، حيث منحت جماعة الحوثيين مهلة 6 ساعات لإخراج الأسلحة من ملعب الثورة الرياضي في صنعاء، وطلبت من المدنيين عدم الاقتراب من الأماكن المستهدفة، قبل أن تقوم بتدمير الأسلحة التي تم نقلها إلى 9 مخازن في معسكر التشريفات، إضافة إلى 7 مخازن أخرى في معسكر الأمن المركزي بضربات موجعة.

كذلك رفضت قيادة التحالف في عام 2018 قصف أحد المواقع بعد ورود معلومات استخبارية مؤكدة عن وجود قيادات حوثية من الصف الأول من ضمنها رئيس ما يسمى بالمكتب السياسي للمتمردين، محمد علي الحوثي، مع مجموعة من كبار قادة الجماعة في اجتماع بأحد المواقع بصعدة، لكن الأوامر الواضحة قضت بتجاهل ذلك الهدف حقنا لدماء الأبرياء، فعادت الطائرات أدراجها.

ويعلم الجميع أنه لو كانت المملكة تركز على تحقيق أهدافها العسكرية - بأي ثمن - لما استغرق الأمر كل هذه السنوات، ولما استطاع الانقلابيون الصمود، لكنها تتمسك بالنأي عن إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء، وعدم تهديد حياتهم، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة لحمايتهم، وذلك لأن تدخلها في الأزمة لم يأت في الأساس إلا لحفظ اليمن وحمايته وصون وحدته وسلامته.

وللأسف فإنه في مقابل هذه النظرة المتقدمة والفهم الإنساني فإن جماعة الحوثيين الانقلابية لا تتورع على الإطلاق في اتخاذ المدنيين دروعا بشرية، وتخزين الأسلحة وسط أحيائهم السكنية، وتحويل المساجد والمستشفيات إلى ثكنات عسكرية، وتجنيد الأطفال وتلاميذ المدارس، وما ذلك إلا لأنها تتعامل بأساليب الميليشيات الخارجة على القانون، ولا تعرف طريقة التفكير المسؤول.

الانحطاط إلى هذا الدرك السحيق في عقليات المتمردين ليس مفاجئا لأي أحد، فهؤلاء غيبوا عقولهم وتناسوا إنسانيتهم وتحولوا إلى بنادق صدئة، يستأجرها من يدفع الثمن. ومن ارتضى أن يتحول إلى مرتزق لا يستبعد منه شيء، ومن باع بلاده بثمن بخس لن يتورع عن ارتكاب كافة الجرائم، وإن كانت القاعدة الفقهية الشهيرة تقول (ليس بعد الكفر ذنب) فإنه ليس بعد العمالة والخيانة جريمة.