يتخاصم الناس لأنهم مختلفون. ويتخاصم الناس لأنهم متفقون. أما تخاصم المختلفين فهو مفهوم. لأن كل خصومة في الحقيقة نوع من الاختلاف. وأما تخاصم المتفقين فربما احتاج إلى بعض التوضيح، ولكنه توضيح لا يحوجنا إلى تطويل. فالمتفقون في الأهواء والأمزجة والأفكار، يتفقون لا على طلب شيء واحد ينالونه جميعا. ومن هنا يأتي الخصام. فالمتفقون في تذوق الجمال، يطلبون نوعا واحدا من الجمال، أو جميلة واحدة يظفر بها واحد، ولا يظفر بها جميع طلابها وخطابها فيتخاصمون. والمتفقون في تقدير العظمة، يطلبون نوعا واحدا من المجد، أو يطلبون منصبا واحدا، أو شهرة واحدة، فيشتد بينهم التنافس والشقاق على هذا الطلب.. فيتخاصمون.
والمتفقون في مقاييس الأخلاق يجمعون المستحسن منها في ناحية واحدة ويجمعون المستهجن منها في ناحية واحدة، فلا يوزعون الأقدار والأعمال توزيعا يسمح باختلاف الأقدار والأعمال، ومن هنا يأتي الاختلاف، أو يأتي الخصام.
ومن الأمثلة التي تضرب على الحماقة، أن رجلين ذهبا يتمنيان، فتمنى أحدهما قطيعا من الضان يملأ البطاح، وتمنى الآخر أن يرسل الله على غنمه قطيعا من الذئاب يأكلها ولا يبقي منها بقية، فاقتتلا وما زالا يقتتلان حتى مر بهما ثالث فعلم سبب الخصومة، فأفرغ على الأرض زقا من السمن، وأقسم ليجرين الله دمه كذلك السمن أيها الأحمقان!
ويضحك الناس من هذه القصة المخترعة. ولكنهم في الواقع كلهم كذينك الرجلين وذلك الحكيم المصلح بينهما. وغاية ما في الأمر أن القصة صورة «كاريكاتورية» وليست «فوتغرافية». لأن التخاصم على الآمال والأماني أكثر بين الناس وأقوى من التخاصم على الوقائع والأشياء. ولأن المصلحين بين الخصوم يصنعون بأنفسهم وبأموالهم أحيانا كما صنع صاحب السمن المراق على التراب. فالتخاصم على شيء من الأشياء عداوة موقوتة تزول بزوال ذلك الشيء، أو تنقضي بانقضاء الحاجة إليه. أما الخصومة الباقية التي لا تزول فهي الخصومة على الآمال والمطامع التي لا تزال في عالم الغيب، وقد تظل في عالم الغيب مدى الحياة.
وأبعد الناس عن الرفاق من لا يتفقون في الأمل ولا يتفقون فيما ينتظرون، وأغلى ما في الحياة أمل وانتظار.
ولو أننا تناولنا خصومات الدول والقادة وعظماء التاريخ، لما وجدنا في نهاية الأمر إلا أنها خصومات على الآمال الكبار، وأن فسحة الأمل هي التي تضيق بهم وتثير العداوة بينهم، وليست مطالب العيش، وضرورات الطعام والشراب.
وهل أشد من خصومات البشر على السماء بعد الموت؟ وهل أعنف من نزاع البشر على رضوان الله؟
يتخاصم الناس لأنهم مختلفون. ويتخاصم الناس لأنهم متفقون. وليس هذا هو المصدر الوحيد من مصادر الخصومة التي تأتي من النقيضين. بل هناك مصادر أخرى للخصومة يجتمع فيها النقيضان، ويجتمعان لفض كل اجتماع وتشعيب كل لقاء. فالناس يتخاصمون لأنهم أنانيون. والناس يتخاصمون لأنهم محبون للآخرين. أما تخاصم أصحاب الأنانية فلا غرابة فيه، لأن الرجل الذي يحب نفسه يستأثر لها بكل منفعة، ويكره أن يشاركه غيره في الخيرات والمغانم والآمال. وهو - إلى جانب هذا - يجهل شعور غيره، فيسخطه من حيث إنه يرضيه، ويأخذ منه وهو يزعم أنه يعطيه. ولكن الغريب أن يتخاصم الناس لأنهم براء من الأنانية، ولأنهم يحبون الخير للآخرين.
ولفتة واحدة إلى الحقيقة، تنفي هذه الغرابة وترينا أن الخصومة من حب الخير للآخرين، كالخصومة من حب الخير للنفس في القسوة والشدة والكثرة ووبال العافية، ولعلها تسخر الأنانية في طريقها، لأنها أكبر منها وأقوى، أو لأنها تنتقل بالناس من «أنانية» آحاد إلى «أنانية» جموع وشعوب.
فكم من الحروب ثارت في هذه الدنيا على أيدي المصلحين ؟ وكم من المجازر البشرية التي سالت فيها الدماء كالأنهار لأن جماعة من طلاب الخير يريدون لغيرهم الخير الذي لم يريدوه، ويفرضون عليهم الحق الذي لم يفرضوه؟.
وكم من إنسان قتل لأنه لا يقبل الخير الذي يبشر به المصلحون الأبرار في الأرض وفي السماء. وقد تقول إن حب الخير عند هؤلاء المصلحين هو الأنانية بعينها، في صورة من الصور التي تنخدع بها النفس وينخدع بها الناس.
قد تفسر كل خلق عظيم بما طاب لك من أساليب التفسير، وتبقى بعد ذلك حقيقة لا شك فيها، وهي أن الخصومة قد تأتي من طلب الإصلاح للأمم والجماهير، كما تأتي من طلب المصلحة لفرد واحد: وهو صاحب المصلحة الذي يطلبها، ولا يبالي ما عداها.
والمتفقون في مقاييس الأخلاق يجمعون المستحسن منها في ناحية واحدة ويجمعون المستهجن منها في ناحية واحدة، فلا يوزعون الأقدار والأعمال توزيعا يسمح باختلاف الأقدار والأعمال، ومن هنا يأتي الاختلاف، أو يأتي الخصام.
ومن الأمثلة التي تضرب على الحماقة، أن رجلين ذهبا يتمنيان، فتمنى أحدهما قطيعا من الضان يملأ البطاح، وتمنى الآخر أن يرسل الله على غنمه قطيعا من الذئاب يأكلها ولا يبقي منها بقية، فاقتتلا وما زالا يقتتلان حتى مر بهما ثالث فعلم سبب الخصومة، فأفرغ على الأرض زقا من السمن، وأقسم ليجرين الله دمه كذلك السمن أيها الأحمقان!
ويضحك الناس من هذه القصة المخترعة. ولكنهم في الواقع كلهم كذينك الرجلين وذلك الحكيم المصلح بينهما. وغاية ما في الأمر أن القصة صورة «كاريكاتورية» وليست «فوتغرافية». لأن التخاصم على الآمال والأماني أكثر بين الناس وأقوى من التخاصم على الوقائع والأشياء. ولأن المصلحين بين الخصوم يصنعون بأنفسهم وبأموالهم أحيانا كما صنع صاحب السمن المراق على التراب. فالتخاصم على شيء من الأشياء عداوة موقوتة تزول بزوال ذلك الشيء، أو تنقضي بانقضاء الحاجة إليه. أما الخصومة الباقية التي لا تزول فهي الخصومة على الآمال والمطامع التي لا تزال في عالم الغيب، وقد تظل في عالم الغيب مدى الحياة.
وأبعد الناس عن الرفاق من لا يتفقون في الأمل ولا يتفقون فيما ينتظرون، وأغلى ما في الحياة أمل وانتظار.
ولو أننا تناولنا خصومات الدول والقادة وعظماء التاريخ، لما وجدنا في نهاية الأمر إلا أنها خصومات على الآمال الكبار، وأن فسحة الأمل هي التي تضيق بهم وتثير العداوة بينهم، وليست مطالب العيش، وضرورات الطعام والشراب.
وهل أشد من خصومات البشر على السماء بعد الموت؟ وهل أعنف من نزاع البشر على رضوان الله؟
يتخاصم الناس لأنهم مختلفون. ويتخاصم الناس لأنهم متفقون. وليس هذا هو المصدر الوحيد من مصادر الخصومة التي تأتي من النقيضين. بل هناك مصادر أخرى للخصومة يجتمع فيها النقيضان، ويجتمعان لفض كل اجتماع وتشعيب كل لقاء. فالناس يتخاصمون لأنهم أنانيون. والناس يتخاصمون لأنهم محبون للآخرين. أما تخاصم أصحاب الأنانية فلا غرابة فيه، لأن الرجل الذي يحب نفسه يستأثر لها بكل منفعة، ويكره أن يشاركه غيره في الخيرات والمغانم والآمال. وهو - إلى جانب هذا - يجهل شعور غيره، فيسخطه من حيث إنه يرضيه، ويأخذ منه وهو يزعم أنه يعطيه. ولكن الغريب أن يتخاصم الناس لأنهم براء من الأنانية، ولأنهم يحبون الخير للآخرين.
ولفتة واحدة إلى الحقيقة، تنفي هذه الغرابة وترينا أن الخصومة من حب الخير للآخرين، كالخصومة من حب الخير للنفس في القسوة والشدة والكثرة ووبال العافية، ولعلها تسخر الأنانية في طريقها، لأنها أكبر منها وأقوى، أو لأنها تنتقل بالناس من «أنانية» آحاد إلى «أنانية» جموع وشعوب.
فكم من الحروب ثارت في هذه الدنيا على أيدي المصلحين ؟ وكم من المجازر البشرية التي سالت فيها الدماء كالأنهار لأن جماعة من طلاب الخير يريدون لغيرهم الخير الذي لم يريدوه، ويفرضون عليهم الحق الذي لم يفرضوه؟.
وكم من إنسان قتل لأنه لا يقبل الخير الذي يبشر به المصلحون الأبرار في الأرض وفي السماء. وقد تقول إن حب الخير عند هؤلاء المصلحين هو الأنانية بعينها، في صورة من الصور التي تنخدع بها النفس وينخدع بها الناس.
قد تفسر كل خلق عظيم بما طاب لك من أساليب التفسير، وتبقى بعد ذلك حقيقة لا شك فيها، وهي أن الخصومة قد تأتي من طلب الإصلاح للأمم والجماهير، كما تأتي من طلب المصلحة لفرد واحد: وهو صاحب المصلحة الذي يطلبها، ولا يبالي ما عداها.