عواجي النعمي

كما يقال فإن التاريخ ليس أعمى، فهو يفرق بين العظماء وغيرهم عند كتابته سيرهم وقصصهم ومواقفهم. كان وما زال ذلك التاريخ يمارس دوره في تخليد المواقف والأعمال العظيمة لشخصيات في شتى مجالات الحياة، من سياسة وأدب وثقافة وعلوم ودين.

كان ضيف برنامج في الصورة للأسبوع الماضي هو الدكتور عبدالعزيز خوجة الذي تقلد مناصب عدة في الدولة، وزيرا للإعلام وسفيرا في عدة بلدان. ويبدأ البرنامج بفيديو لوزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد عبده يماني يحكي فيه كيف أصبح وزيرا للإعلام إبان حكم الملك خالد، رحمه الله، وكيف ترك العمل الأكاديمي بالجامعة، ليقـتحم العمل السيـاسي والإعلامي دون سـابق خبرة أو درايـة، فكان أن حضر أول جلسة لمجلس الوزراء وبعد انتهاء الجلسة غادر جميع الوزراء عدا الوزير اليماني، فقد وجد نفسه محاطا بالإعلاميين يسألونه عن قرارات المجلس، فلم يتردد في تزويدهم بجميع القرارات، ليجد بعد ذلك عتابا من رئيس الديوان، وأن ليس كل ما يقال في المجلس يمكن أن ينشر في وسائل الإعلام. ويستطرد الوزير اليماني في ذلك الفيديو كيف كان حاله بعد نهاية كل اجتماع لمجلس الوزراء، وكيف كان يداعبه الوزير القصيبي، رحمه الله، فمواجهة الإعلام ليست بالمهمة السهلة. وهنا لا ننسى أنه عندما تولى الوزير اليماني منصبه جاء معه بالدكتور عبدالعزيز خوجة كوكيل في وزارة الإعلام، وهذا دليل على عظمة شخصية الدكتور اليماني في اختيار الشخصيات الناجحة التي أصبحت لاحقا واجهة من واجهات العمل الدبلوماسي. وفي الحلقة يحكي الدكتور عبدالعزيز خوجة أول موقف له مع ولاة الأمر، وكان مع الملك فهد، رحمه الله، والذي كان يعرف عنه متابعته كل التفاصيل والاهتمام بكل الشؤون التي تهم الدولة والمواطن. فقد تلقى الدكتور اتصالا يخبره بأن ولي العهد (الملك فهد في ذلك الوقت) سيتواصل معه. وعند التواصل سأله الملك فهد عن الأخبار في الإذاعة لذلك اليوم من صرح بها ومن وافق عليها، وكانت ردة فعل الدكتور خوجة هي الدهشة والقلق، فهو لم يستمع للنـشرة الإخبارية، ولم يدر ما فحواها، ولا يعـلم من قدمها، ولا يعرف تفصيل الخـبر الذي أثار حفيـظة ولي العهد!!. كانت حادثة مثل هذه كافية لانـتهاء عمله بالوزارة، ولكن تملكه شيء من ربـاطة جأش، وطـلب من الملك فهد أن يعطيه بعض الوقت ليجمع كل التفاصيل. ليعقب تلك الحادثة تواصل شبه يومي بين الملك فهد، رحمه الله، والدكتور خوجة في كل ما يتعلق بالشأن الإعلامي، ولتعطي هذه الحادثة درسا في كيفية صبر ولاة الأمر -حفظهم الله- على صناعة الـقادة وبناء ثقتـهم. مرت هذه الـحادثة لتأتي بعدها أحداث عظيمة كان من يديرها ويتخذ القرار الحازم فيها هو الدكتور عبدالعزيز خوجة. فعند اجتياح الكويت وصدور قرار تحريرها، كانت هناك عقبة مجلس النواب التركي، والذي قد لا يوافق على استخدام قاعدة إنجرليك لإطلاق الطائرات الأميركية لضرب المواقع العراقية. كان الوقت ضيقا فقام السـفير السعودي بتركيا في ذلك الوقت (الدكتور خوجة) بجمع الأعضاء النواب في منزله وإقناعهم بعدم الذهاب غدا للتصـويت، وقد نجح في ذلك.