بصمة صوتية نادرة حملها الأثير، ولازال صداها يلج الأسماع ويغمر القلوب، صوت إذاعي لن يتكرر، يتكئ على إبداع الأداء بهيبته، يحضر الإنصات عند سماعه، ويتغلغل في النفوس بصفائه.

حسين بن محمد نجار قامة إعلامية سعودية، صنعت تاريخًا حافلاً من الإنجازات، وحققت مسيرة مليئة بالنجاحات، عرفه المجتمع نجمًا في عصر الإذاعة الذهبي ولازال، أعطاها زهرة شبابه إخلاصًا وتألقًا، وقدوة حسنة، فبقي صوته ربيعًا مزهرًا له جهارة ونقاوة يلامس المشاعر في كل مكان وزمان.

قادني حظي الطيب لأكون من المتدربين في دورة الإعلاميبن العرب بالمركز العربي للتدريب الإذاعي والتليفزيوني بدمشق قبل ثلاثين عامًا وأكثر، حين تفاجأت بوجود الإعلامي الكبير، حسين نجار، محاضرًا في الدورة.


واستطاع منذ اليوم الأول أن يلفت الانتباه بصوته العذب، إلقائه المميز، معلوماته الغزيرة، خبراته المتدفقة عن فن كتابة وإعداد البرامج والأخبار معتمدًا بعد الله على ذاكرته، وخُلاصة عمله، وتحولت محاضراته إلى ما يشبه ورش عمل، اتسمت بالنقاش وتبادل الأفكار، والتدريب العملي.

كان يستغل وقت الإستراحة بين المحاضرات ليتوضأ وأداء صلاة الظهر في خشوع تام. سألته في مساء دمشقي ممطر: هل ستبقى الإذاعة صامدة والتلفزيون يسحب البساط منها رويدًا رويدًا؟، قال: هذا السؤال تردد كثيرًا، لكني أجزم يقينًا أن الإذاعة أسست لها جسورًا من الألفة والمحبة مع الناس لا يمكن للتليفزيون إنتزاعها.

وأضاف: الإذاعة تملك خصوصية الوجود مع الإنسان في سيارته، مزرعته، قريته، في أي مكان، وحتى يبقى ذلك الارتباط فلابد من المذيع الجيد، والبرامج الجذابة والغوص في تفاصيل المجتمع المحلي.

يقول الإعلامي القدير، مدير إذاعة نداء الإسلام الأسبق، كبير المذيعين عدنان صعيدي في كتابه «على موجة طويلة»: حسين نجار وُلِد مذيعًا بما وهبه الله من صوت ملفت مميز، وهو ممن يستطيع أن يدخل الإستديو دون نص، ولم أره يومًا في النقل المباشر للصلوات، والمناسبات يقرأ من ورقة، بل يرتجل بتمكن صوتًا وأداءً ولغة.

وألمح الكتاب إلى أهم البرامج التي أعدها وقدمها نجار، ومنها " جولة المايكرفون، مع الصباح، نادي الهواة، الاقتصاد والتنمية، رحلة الحرف عبر الأثير:، إضافة إلى قراءة نشرات الأخبار، كما شغل عدة مناصب في الإذاعة، وحصل على الماجستير في الإعلام، وفي عام 1418 للهجرة حصل على الدكتوراه من جامعة وندنج في بريطانيا، وتقاعد عن العمل قبل ربع قرن، ولازال متعاونًا مع بعض الجهات، ومحاضرًا بجامعة الملك عبدالعزيز في كلية الاتصال والإعلام.

حسين نجار صوت الألفة والوقار، أدى رسالته الإعلامية بكل أمانة واقتدار، فاستحق من الجميع المحبة والإكبار.