فالعالم أجمع أصبح يولي المزيد من الاهتمام لهذه المشكلة التي بدأت انعكاساتها السلبية تؤثر بصورة محسوسة على حياتنا، وأصبحنا نعاني من الاحتباس الحراري، والتغير المناخي، وتزايد العواصف، والبراكين، والزلازل، وازدياد رقعة التصحر والجفاف، ونضوب المياه في الكثير من الأنهار، وتراجع نسبة الأمطار، وغير ذلك من الظواهر المقلقة.
لذلك فإن المؤتمر الذي يستمر خلال الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر الجاري، بمشاركة 197 دولة موقِّعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر، يُعدّ أكبر اجتماع على الإطلاق للدول الأطراف، والأول من نوعه الذي يُعقد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه السعودية على الإطلاق.
وتواجه المجتمعين مهمة عاجلة تتمثل في إيجاد حلول فعالة لإعادة تأهيل ملايين الهكتارات من الأراضي المتدهورة، والحد من الجفاف، وتشجيع دور القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في حماية البيئة والمحافظة على الثروات الطبيعية.
وتجسّد استضافة المملكة لهذا الحدث المرموق الاهتمام الذي تبديه القيادة السعودية لحماية البيئة على كل المستويات، وتبنيها لعددٍ من المبادرات البيئية الرائدة، واتخاذها حزمة من الإجراءات لتمكين عناصر البيئة وتحسين جودة الحياة، حيث تولي المؤتمر أهمية بالغة لأنه يمثل أحد أبرز اهتماماتها لتحقيق المستهدفات البيئية.
ولمعرفة الآثار الكارثية التي تترتب على التدهور البيئي؛ تكفي الإشارة إلى أن الدراسات التي أجرتها الهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة تشير إلى أن 40% من إجمالي الأراضي الزراعية معرضة للمزيد من التدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم الذين يعاني 25% منهم بالفعل من موجات الجفاف، كما يتوقع أن يواجه 75% منهم صعوبة في الحصول على المياه بحلول عام 2050، وأن الخسائر المادية الناجمة من هذه الكارثة تجاوزت حتى الآن 6 تريليونات دولار.
لذلك فإنه من المأمول أن يتحول هذا المؤتمر إلى منصة فعّالة للعمل المشترك لكل الدول الأعضاء، والمنظمات الدولية، والجهات ذات العلاقة لتطوير وتعزيز الآليات والإجراءات اللازمة، وتكثيف الجهود العالمية للحد من التصحر، وتدهور الأراضي، واستدامة البيئة والموارد الطبيعية للأجيال القادمة، وأن يشكّل نقطة تحول في طريقة التعامل مع الموارد الطبيعية والعمل الجماعي مع حالات الطوارئ العالمية والجفاف.
وبالنظر إلى الجهود التي تبذلها المملكة للحفاظ على عناصر البيئة الخمسة؛ النبات، والحيوان، والماء، والهواء، والتربة، سنجد أنها قديمة وتعود إلى مرحلة توحيد البلاد، فهي في الأساس تتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي تتخذه مرجعية ودستورا، لذلك فإن المادة (32) من نظام الحكم تؤكد مسؤولية الدولة عن المحافظة على البيئة والعناية بها وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث.
ومنذ إقرار رؤية 2030 تضاعف الاهتمام السعودي بمبدأ الاستدامة، وركّزت كل الخطط على تحقيق التنمية الاقتصادية والنمو بوسائل آمنة ومستدامة وغير مكلفة. وتم الإعلان في 21 يناير 2016 عن تنفيذ مبادرة برنامج الملك سلمان للتوعية البيئية والتنمية المستدامة، وتم إنشاء محميات طبيعية تتمتع بأعلى درجات الحماية، وذلك للحفاظ على الحياة الفطرية وإنمائها، إضافة إلى رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة البلاد.
كما أعلن في 27 مارس 2021 عن مبادرتي «السعودية الخضراء» التي تهدف لزراعة 10 مليارات شجرة بالمملكة، و«الشرق الأوسط الأخضر» لزراعة 40 مليار شجرة.
ولم تقتصر جهود المملكة على ذلك، بل سارعت إلى تبني العديد من السياسات التي تصب في ذات الاتجاه. فعلى الرغم من أنها أكبر دولة منتجة للنفط في العالم فإن ذلك لم يمنعها من التشجيع على استخدام وسائل الطاقة النظيفة، وأنشأت أول سوق طوعية لتعويض الكربون في منطقة الشرق الأوسط.
وبهذه الجهود المتواصلة كان من الطبيعي أن تفوز بالمركز الأول في مؤشر «عدم فقدان الغطاء الشجري» ومؤشر «الأرض الرطبة»، متفوقة على 180 دولة، كما احتلت المركز الثامن على مستوى العالم في مؤشر «مواطن الأجناس» المتعلّق بالحفاظ على البيئات الطبيعية وحمايتها ومنع انقراض الأنواع النادرة من الحيوانات، متفوقة أيضا على 172 دولة من دول العالم.
وعودة إلى مؤتمر (كوب 16)، فإن الآمال معقودة على قادة العالم وصنّاع القرار والخبراء المشاركين في الحدث للتوافق على تغيير الطريقة التي نتعامل بها حاليا مع عناصر البيئة، حيث تزداد المطالبات بالتصدي للتجاوزات التي تترك تأثيرًا عميقًا على حياة وسبل عيش الناس في جميع أنحاء العالم، وتسهم في انعدام الأمن الغذائي والمائي، فضلًا عن نشوب الصراعات وتفشّي ظروف عدم الاستقرار والهجرة القسرية.
لذلك نحتاج بشدة وبصورة عاجلة إلى اتخاذ خطوات فعلية لوقف التمدد العمراني على حساب الرقعة الزراعية، وتهور بعض المجتمعات التي أزالت الغابات ومناطق الغطاء النباتي لإيجاد مساحات إضافية تستوعب الزيادة السكانية، وننتظر تسريع العمل على استعادة الأراضي باعتبارها حجر الزاوية في الأمن الغذائي والمياه والطاقة.
فالتلوث الهوائي هو السبب في انتشار كثير من الأمراض المؤدية لتناقص عمر الإنسان، وهو ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى قرع ناقوس الخطر، حيث أعلنت أن 5 ملايين طفل يموتون سنويا بسبب أمراض لها علاقة بالتلوث البيئي، وأن ثلث الأمراض في العالم سببها عوامل بيئية.