تعصف باليمن النزاعات والصراعات منذ سنوات طويلة بسبب وجود جماعات متطرفة متعددة الأطياف والأهداف. تتشابه فئة منها في استغلال الدين كوسيلة لإضفاء الشرعية على أفعالها وتحقيق طموحاتها، مثل الجماعات غير السياسية التابعة للقاعدة وجماعات الإسلام السياسي. وعلى الرغم من الاختلاف بين هاتين المجموعتين في الأسلوب والتكتيك، فإنهما تتشابهان في الاحتماء بالدين واستغلاله لاستقطاب الأنصار والمقاتلين الذين تحتاجهم هذه الجماعات كوقود لمشاريعها.

وتعد الجماعات غير السياسية الأكثر غموضًا من جماعات الإسلام السياسي، ولفهمها، نضطر إلى النظر في ما تحب وما تكره، وسنجد أنها تكره الحياة بكل ما فيها من جمال؛ فهي ترفض كل أشكال التقدم وتكره حتى الكهرباء والدواء، بينما تمجد الموت الذي هو محور فكرها وتسوق له وتدفع أتباعها إليه.

وقد يرى المراقب غير المطلع على هذه الجماعات أن هذه مبالغة، إلا أن حقيقتهم تؤكد ذلك.


أما جماعات الإسلام السياسي، فتحب الحياة بجميع ملذاتها، خصوصًا لأعضائها وقياداتها، لكنها تبيع الوعود الربانية لأتباعها من العامة بجزاء في الحياة الآخرة. ويبقى التعايش مع هذه الجماعات مستحيلًا؛ لأنها تؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقة، وتعجز عن تقبل الآخر، وتُقابل النقد بإقصاء كل من يختلف معها، فتخلق مجتمعًا مغلقًا يقوم على الولاء المطلق والأفكار المتطرفة. وهذه بيئة يستحيل أن تُبنى فيها أوطان مستقرة وآمنة.

وعليه، ورغم تعقيد مشكلة اليمن البالغ، فإن أولى خطوات الخروج من الأزمة تكمن في رفع وعي الفرد بحيث يصعب استغلاله من قِبَل هذه الجماعات، والزجّ به في التهلكة مقابل وعود بجزاء في الحياة الآخرة.

ومتى أدرك الشعب أنه هو الوقود الذي تصطلي به البلاد، وأن هذه الجماعات تحرق الشعب بالشعب، فإن هذه الجماعات ستتلاشى وتنتهي بمجرد ألا تجد ضحايا توقد بهم مشاريعها.

هذه المهمة تتطلب مساهمة من كل مثقف وواعٍ، ولا يجب الانتظار. ورغم ما يكتنف هذه المهمة من صعوبة ومخاطرة، فإنها الخطوة الأولى التي لا بد منها في مسار السلام والاستقرار.