من كان يتخيل أن رواية مثل «حلم الغرفة الحمراء»، التي تمثل جزءًا من التراث الأدبي الصيني، ستصبح يومًا جزءًا من مكتبتنا العربية؟ أو أن أدبًا كالأدب الصيني، بتفاصيله المعقدة وجمالياته الراقية، سيصل إلى أيدي قرائنا بهذا الحضور الآسر؟ في زاوية أخرى من المعرض، تسمع صوت ناشر عربي يتحدث بحماسة عن تجربة العمل مع شريك صيني لترجمة أعمال معاصرة، كان يتحدث عن «مو يان»، الكاتب الصيني الحائز جائزة نوبل، وكأنه يتحدث عن صديق قديم، عن تجربة غاصت في أعماق النفس الإنسانية، لتجد فيها القلق ذاته، والحيرة ذاتها، والأمل ذاته الذي نعيشه نحن في عالمنا العربي.
كان الناشر العربي يشير إلى الكتب المترجمة وكأنها قطع من روحه، جزء من ذاكرته الثقافية التي باتت، بفضل هذا التعاون، أكثر رحابة واتساعًا، لم تكن تلك اللقاءات مجرد كلمات عابرة، بل قصصًا تتشكل وتُبنى، كل حرف فيها جسر يعبر عليه القارئ العربي إلى عوالم جديدة، وإلى شخصيات تعيش في قلب المدن الصينية، وتواجه الصراعات ذاتها التي نعرفها نحن في قرانا ومدننا.
هذا التعاون بين دور النشر الصينية والعربية أشبه بغيمة تبشر بمطر غزير؛ روايات وقصص صينية وجدت طريقها إلى المكتبات العربية، لتضيء لنا زوايا من الفكر والحياة لم نكن نعرفها، بفضل هذه السلسلة، أصبحنا نرى الصين ليس كبلد بعيد، بل كجار قريب، نتشارك معه قصص الحب، حكايات الفقر، وآمال الصعود.
اليوم، يمكننا أن نقول بكل فخر إن هذه الإنجازات لم تكن مجرد نقاط مضيئة في مسيرة التعاون، بل شعاع ممتد ينير لنا الطريق، إن دور وزارة الثقافة، وهيئة الأدب والنشر والترجمة، لم يكن مجرد دور تنظيمي، بل أشبه بحارس منارة يرشد السفن التائهة إلى شاطئ الأمان، لقد دعمت هذه المؤسسات هذا الحلم، ولم تهدأ حتى رأت الكتب الصينية تزين رفوف مكتباتنا، وحتى رأت القارئ العربي يتصفح هذه الكتب بشغف، كأنه يعيد اكتشاف ذاته في كلمات الآخر.
في النهاية، هذا التعاون هو بداية رحلة طويلة؛ رحلة لا تُكتب فيها الكلمات فقط، بل تُعاش، تُحس، وتصبح جزءًا من الذاكرة الثقافية المشتركة بيننا وبين الصين، ومع كل كتاب جديد، مع كل رواية تُترجم، يصبح الأدب هو الجسر الذي نعبر عليه إلى عالم أوسع، حيث القصص هي الحلم، وحيث الحلم هو ما يربطنا، نحن البشر، مهما اختلفت ألسنتنا، بلغة واحدة: لغة الإنسان.