يرى كثير من الناس عدم الجدوى من النقد الأدبي لهذا الحراك الصامت الذي يكمن في المشاريع الثقافية الضخمة التي يعمل عليها التحور الجديد. وقد تم إصدار الكثير من المؤلفات التي تفوق كثيرًا ما تم إنتاجه أدبيًا في فترات سابقة. وهذا مؤشر خطر جدًا، لأن خطر الحراك الورقي الصامت يظهر أثره الكبير بعد زمن وليس الآن. إضافة إلى أن الكتب لها تأثير في النفوس على المدى البعيد أكثر من الخطب التي تحمل طابع التأثير على المدى القصير الانفعالي. وهذا ما يجعلنا ننبه على ضرورة الولوج في أروقة الحراك الصامت للتحور الصحوي/ السروري الجديد من أجل إجهاضه قبل الولادة.
لدينا سلبية ثقافية في النقد دائمًا ما تتكرر في كل حقبة للحراك الصحوي. وهي أن النقد الثقافي ضد الصحوة دائمًا ما يكون تابعًا ورد فعل للصحوة وليس فاعلًا ومؤثرًا أوليًا. بمعنى أن النقد يتوجه للصحوة بعد سقوطها أو انكشافها. لكننا نفتقد للنقد الذي يسبق السقوط، النقد الذي يتنبأ بالخطوة القادمة للصحوة-السرورية.
نفتقد للنقد الذي يتناول الأدبيات الصحوية حين صدورها وتحليلها بشكل عميق مسبقًا وبشكل دوري. إن هذا الدور السبّاق المتفاعل هو ممارسة طبيعية وأساسية لـ (لمفكر/الكاتب/ الناقد) بشكل عام، لكننا لا نراه نشطًا في ثقافتنا. أو أنه موجود على استحياء منعًا للحرج أو خوفًا من القضايا والخلافات القانونية؛ وهذا خلل يحتاج إلى مناقشة لاحقة في مقام آخر.
لو نظرنا إلى سيد قطب وطرحنا سؤالًا:
ما الذي أبقى إرثه حيًا وفعالًا إلى يومنا هذا؟ ما الذي جعل كتاباته مؤثرة في شبابنا المعاصر رغم موته منذ أكثر من نصف قرن؟ إنه الحراك الصامت -الورقي- إنها الكتابة الأدبية التي يصعب دفنها. لم تؤثر خطب سيد قطب أو مقاطعه -إن وجدت- في المتلقي المعاصر. بل لن يؤثر أي خطاب قديم مثل ما تؤثر الكتابة الأدبية، لأن الخطب والمقاطع والمناظرات القديمة في القرن الماضي لها سياقها الخاص الذي يختلف جذريًا عن سياق المتلقي المعاصر. فبالتالي، عندما يسمع أحد الشباب المعاصرين محاضرة قديمة في القرن الماضي فإنه سيتأثر ببعض محتواها ويهمل باقي تفاصيلها، لأنه يفتقد لفهم سياق وظروف زمن المحاضرة. لكن لو نظرنا إلى الكتابة الأدبية، فإنها غالبًا ما تكون فلسفية غير ظرفية. إنما تكون -غالبًا- بشكل تأسيسي فلسفي أو أدبي روائي أو فكري نظري يجعلها قابلة للتطبيق في أي زمن وقابلة للتأويل أيضًا باستمرار.
هذه الميزة من خصائص الكتابة النظرية التي تتميز عن الإعلام والخطابة والمناظرات. حيث إن الكتابة الأدبية تروم الرؤية العامة للقضايا والأفكار، بحيث تهدف إلى السرد التأسيسي النظري أكثر من ذلك التنظير الخطابي الحركي -المؤقت- حسب الظروف (الزمكانية).
الحراك العلني الظاهر أسهل في مقاومته وإنهائه من الحراك الصامت الخفي. هذا ما يجعل الحراك الصامت الخفي بين الأوراق والأدبيات أشد خطرًا على المجتمع مستقبلًا. حيث إن الحراك العلني الممارس في الإعلام وبرامج التواصل، يمكن مقاومته بخطاب مضاد بالطريقة نفسها، أو إنهائه عن طريق إيقاف منظريه وخطبائه. وهذا ما حدث في منطقتنا الخليجية في الفترة السابقة، ورأينا كيف انكمشت واختفت كل التحركات الصحوية إعلاميًا. لكن الحراك الصامت لا تستطيع مقاومته وإنهائه بشكل سريع بالطريقة نفسها. حيث إذا أردنا أن نقاومه ونخفيه في فترة وجيزة فعلينا منع الكتب والأدبيات والرسائل العلمية التي تنظر للفكر الصحوي-السروري. وأن نسحب كل الكتب الموجودة مسبقًا بين الناس. وهذا أمر صعب جدًا لا يمكن تنفيذه على أرض الواقع، وقد يكون غير ممكن قانونيًا. لذلك نجد أن الحراك الصامت الورقي يحتاج لمقاومة مضادة تشبهه في الجنس والنوع والطريقة، بحيث يتم نقد أدبيات الصحوة-المتحورة - الجديدة بشكل مستمر، والتفاعل معها بالتحليل والتفكيك المستمر، ومناقشة الأطروحات الصحوية علميًا بالتأليف والنشر الأدبي والأكاديمي.
هذه المقاومة المشابهة للحراك الصحوي الجديد «الصامت» بين أوراق الكتب يجعلنا متمكنين من مقاومتها مستقبلًا والسيطرة على مخرجاتها ومنع تأثيرها في الشباب الناشئ. ويصنع لدينا تنبؤات دقيقة لمشاريعهم وتلوناتهم المستقبلية بشكل واضح يمكننا من تحقيق الأمن الفكري والثقافي لأفراد المجتمع قبل أن تسيطر عليهم أدبيات التحورالصحوي الجديد بلا وعي. حيث إن إهمال هذا الجانب وعدم إنتاج نقد مستمر للحراك الصحوي الصامت، يرفع من إمكانية تحقيق أهدافهم المستقبلية في خطتهم الجديدة بالانتشار القاعدي دون الهرمي. أي أن التنظير الصحوي مستقبلا سيكون بصناعة قاعدة جماهير مدجنة بالعقائد الصحوية (تنظير قاعدي) دون الحاجة لشيخ وتابع (تنظير هرمي).
هذا المشروع القاعدي سنفصله في مقال لاحق بإذن الله على خطى مقاومة تحوراتهم الجديدة، والتنبؤ بأفضل الحلول لمقاومة تأثيرهم الصامت.