قد يستغرب البعض عندما أذكر عاصمة العطور، وربما يذهب فكره إلى باريس، ولكن نحن نتحدث عن العاصمة الواقعية لعطور العالم، التي تعتبر المستهلك والمستخدم الأكبر للعطور في العالم،

حسب الدراسات الدولية، تحتل دول الخليج المركز الأعلى في العالم لاستهلاك العطور.

وكشفت دراسة صادرة عن «أوشن إكس» أن نسبة استهلاك العطور للفرد في السعودية تزيد 8 أضعاف على الفرد في أوروبا، حيث يصل الاستهلاك للفرد في السعودية سنويًا ما يقارب 2.5 لتر، بينما يستهلك الفرد في أوروبا ما يقارب من 300 مل سنويًا.


ويبلغ معدل شراء العطورات في الدول الغربية حوالي مرة واحدة كل ستة شهور، بينما في دول الخليج يبلغ حوالي مرة واحدة كل شهرين على الأقل!

والسعودية وحدها تستحوذ على أكثر من 60 % من حصة الخليج بالعطور، أما العود الذي يعد أحد أغلى أنواع العطور، فتستهلك السعودية وحدها من 60-65 % من سوق العود في العالم كله، أي أكثر من نصف استهلاك العالم.

وحتى بالملاحظة تستطيع الاستدلال على صحة الأرقام الواردة أعلاه، فعلى سبيل المثال وببساطة عند التجول في أي سوق أو مكان عمل في الرياض، ستجد نفسك محاطًا بالعطور الزكية الراقية من كل مكان.

حيث أصبحت العطور جزءًا لا يتجزأ من ثقافة السعوديين والخليجيين عمومًا، ويعكس هذا الاهتمام الكبير بالعطور حبهم العميق لها، والذي يمتد عبر الأجيال، وهذا الوعي الثقافي بالعطور يعكس اهتمامهم بالتفاصيل الدقيقة والرغبة في التميز.

وتُعَدُّ العطور النادرة والمميزة من أكثر الأشياء التي يحرص السعوديون على اقتنائها. فهم يبحثون دائمًا عن العطور الفريدة التي تميزهم عن الآخرين، ويعتبرونها جزءًا من هويتهم الشخصية. وهذا الشغف بالعطور يعكس أيضًا رغبتهم في الحفاظ على التراث الثقافي الغني للمملكة، حيث كانت العطور جزءًا من الحياة اليومية منذ القدم.

والسعوديون ليسوا فقط مستهلكين للعطور، بل أصبحوا مثقفين جدًا في هذا المجال، والمفاجأة هي أنه رغم شغف السعوديين بالعطور كمستخدمين إلا أن لديهم مستوى عاليًا من الثقافة والمعلومات والخبرة والتفاصيل في كل ما يخص العطور، وحتى بين الأفراد العاديين. فهم يتحدثون عن العطور كأنهم خبراء، وقد تجد في المجالس حتى الشخص العادي والذي ربما ليست له أي علاقة بمجال تجارة أو تصنيع العطور سيشرح لك بالتفاصيل أنواع العطور وميزات عطور النيش وعطور المصممين، والنوتات وتركيبها وقلبها وأساسها وأوقات استخدامها باحترافية. ودون مبالغة، لم أرَ شعبًا مثقفًا بالعطور مثل الخليجيين، وقد سمعت هذا الإطراء من الأجانب في أقصى دول شرق الأرض وفي أقصى غربها، وفي أماكن ومناسبات مختلفة.

عندما أقول إن عاصمة عطور العالم هي السعودية، فأنا لا أبالغ كما بينت الأرقام أعلاه، وليس غريبًا أن تكون السعودية ومنطقة الخليج العاصمة الحقيقية للعطور في العالم رغم عدم إنتاج كمية كبيرة من العطور، فهناك أمثلة كثيرة مشابهة حول العالم لعواصم، وبورصات لمواد وسلع معينة، رغم أن ذلك البلد لا ينتجها. وتلعب هذه البورصات دورًا حيويًا في تداول تلك السلع دوليًا، وعلى سبيل المثال:

بورصة لندن الدولية للشاي: رغم أن المملكة المتحدة ليست منتجًا رئيسًا للشاي، إلا أن بورصة لندن تلعب دورًا مهمًا في تحديد أسعار الشاي عالميًا.

بورصة نيويورك للقهوة والسكر والكاكاو: رغم أن نيويورك ليست منتجًا رئيسًا لهذه المواد.

بورصة لندن للعطور والزيوت العطرية: تعتبر لندن مركزًا رئيسيًا لتداول العطور والزيوت العطرية، حيث تستورد هذه المواد من مختلف أنحاء العالم وتداولها في الأسواق العالمية.

بورصة سنغافورة للزيوت العطرية: تتداول في الزيوت العطرية والمواد الخام المستخدمة في صناعة العطور، رغم أن سنغافورة ليست منتجًا رئيسيًا لهذه المواد.

نعود الآن إلى موضوع المقال، وهو (لماذا لا يوجد عطر أو عطور لعاصمة العطور في العالم) أي السعودية، وأعني بالعطر أي عطر عالمي له وزنه وسمعته وانتشاره الدولي؟ هناك محاولات وهناك بعض ما يطلق عليه (مستوحى من)، وهناك بعض محاولات تقليد، لكن لم نر عطرا أو عطورا أو براند، يستطيع أن يقول عنه خبراء العطور أو محبوها أو المهتمون إنه شيء فريد عالميًا! رغم وجود كل الإمكانات. نحتاج للاحترافية العالمية حتى يصبح العطر مرجعًا عالميًا. سأضرب مثالًا لماركة عطور في دولة خليجية (عمان) مثلًا، ولن أذكر اسم العطر حتى لا يصبح دعاية، لكن اجتهدوا كثيرًا وكونوا اسمًا وسمعة عالمية وأصبح أيقونة. تجد له وزنا في نيويورك وباريس ولندن أيضًا! وهذا مثال على أن الاحترافية والاجتهاد قد يؤتي أكله، ويصبح العمل الاحترافي عالميًا! حتى أنه حاليًا تتسابق كبار دور العطور في العالم للاستحواذ على هذا البراند.

إنتاج براند أو اسم مميز لعطر في عالم العطور العالمية ليس صعبًا، خصوصًا لدينا نحن السعوديين عاصمة عطور العالم عمليًا وواقعيًا، لكن يحتاج احترافية وجهدًا وشغفًا واستمرارية وإبداعًا وصبرًا! وكمهتم ومتذوق عادي للعطور، أجد كل الإمكانات متوفرة في المملكة لكي تمتلك عطرًا أو أكثر من براند، يكون أيقونة في سماء العطور العالمية!

في النهاية، يمكن القول: إن العطور ليست مجرد منتج تجميلي بالنسبة للسعوديين، بل هي جزء من ثقافتهم وهويتهم. إنهم يستثمرون في العطور ليس فقط لجمالها، بل لأنها تعكس جزءًا من شخصيتهم وثقافتهم العريقة.