صباح هذا اليوم، العاشر من ذي الحجة، صلى أغلب الحجاج الفجر في «مزدلفة»، حيث أمضوا ليلتهم، بعد وقوفهم جميعا على صعيد «عرفة» الطاهر يوم أمس، وتوجهوا ويتوجهون إلى «منى» لأجل رمي جمرة العقبة، قبل نحرهم أضاحيهم ثم تحللهم التحلل الأول من الإحرام، وبعده متابعة أعمال الحج الأخرى من طواف إفاضة، وما يلزمهم من رمي ومبيت، ونفر أو تأخير، ثم توديع البيت العتيق؛ وغيرهم من غير الحجاج لهم في هذا اليوم نصيب، من خلال المشاركة في بعض الأعمال، وأبرزها نحر الأضاحي، وهو ما أردت الكتابة عنه في مقالي هنا، بحسب المتاح له من مساحة.

بداية أذكر أن النحر والأضاحي والقرابين أمور معروفة في كل الأمم، وفي كافة الأديان السماوية، وعبر العصور المختلفة، منذ قربان «هابيل» و«قابيل»، مرورا برؤيا سيدنا إبراهيم وتجرده لربه سبحانه وتعالى، وصبره على أوامره، ومكافأته له بالفداء العظيم عن ذبح ابنه سيدنا إسماعيل، عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وخلاصة رؤية الأديان للقرابين أنها في «اليهودية» قرابين شركة بين الرب والكهنة، للتطهير والتقديس، وعند «النصارى» قرابين شرك للخلاص، وجبرا عن وجود خلل في الطبيعة الإنسانية، أما في «الإسلام» فهي قرابين خالصة لله تعالى وحده، وطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإحياء لذكرى، ومكفرات للذنوب.

الأضحية في الإسلام فدية كفارية تحقق بها المغفرة، ولهذا هي متصلة بالطاعة، وبالصلاة، وبالتكبير والتهليل، ومرتبطة أيضا بالتحديات والصراعات، وهو ما يتضح لقارئ سورة «الكوثر»، التي ذكر فيها النحر، ووصف وتوصيف لمن يحاولون الإساءة للجناب النبوي الطاهر بأن مصيرهم ومشاريعهم البتر أي الخسران؛ قال عز وجل: {إِنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر}؛ والمسلمون مجمعون على مشروعيتها، وفي صحيح الحديث عن سيدنا أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر»، وتذبح الأضحية عن المضحي ومن يلزمه الإنفاق عليهم مهما بلغ عددهم، والشاة تجزئ عن واحد، والبقرة والبدنة عن سبعة، وذهب بعض الفقهاء ومنهم السادة الأحناف إلى أنها واجبة على الموسر، وأكثر الفقهاء ذهبوا إلى أنها سنة مؤكدة للقادر عليها، وللحريص على اتباع رسول الله إليه، صلى الله عليه وسلم القائل: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا»، ومن حكمها المشاركة في الأجر، والاتصال في القصد بين الحاج الذي يذبح الهدي في الحرم، والذي يذبح الأضحية في الحل من غير الحاج، والشكر لله على نعمة الرزق والمال، والتوسعة على الأهل والأقارب والمحتاجين.

أختم بأن الأضحية أمرها أجل، من ظن أنها ذبيحة تذبح، ولحم يؤكل، فهي قربة لله وحده، ينبغي الحرص عليها، ومباشرتها قدر الإمكان، ودعوة لعدم نسيان قوله جل جلاله: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}.. تقبل الله منا ومنكم، وأعاننا وإياكم على فهم «المقاصد والمعاني»، لا مجرد «الألفاظ والمباني».