هنالك معلومات أو أحداث نادرًا ما تنفذ من غربلة الإعلام رغم ما قد تعنيه عند محاولة قراءة وتفسير الأحداث العالمية. ولكن عندما تمر على الذين دائما ما يتوقفون - مثلي - عند كلمة أو مفهوم، ومن ثم ينطلقون في البحث فيأخذهم التيار إلى شطآن جزر موجودة على خارطة المعلومات لكن لسبب أو لآخر لا يُهتم بها.

المهم هنا أن يلتقط الباحث تلك النقاط ويبدأ بالربط ما بينها، قد يخرج برأي وقد يخرج بصورة وقد لا يخرج بشيء سوى معلومات جديدة عليه ولكن لم يأت بعد وقت استخدامها، لأنه في الواقع لا شيء يأتي من فراغ؛ فدائما هنالك رابط لكن الأمر يحتاج إلى تفكير أكثر وجهد وصبر أكبر، كل ما عليه أن ينتظر النقطة التالية أو التي تليها أو التي تليها إلخ.. المهم بالنهاية لا بد وأن يظهر الرابط، وهنا تبدأ متعة الاستنتاج والتحليل.

بالنسبة لي كان الخبر التالي عبارة عن النقطة الثانية والتي كنت أنتظرها لا لشيء سوى أنني رأيت طاقة فتحت في حلقة مغلقة ظننت أنها لن تفتح أبدًا: كتبت «باتيا جرينبريج» في صحيفة «أخبار إسرائيل العالمية» بتاريخ 20 يونيو 2024 «إن طلب الحصول على البطاقة الخضراء الأمريكية للحصول على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة يحتوي الآن على أسئلة متعمقة حول الخدمة العسكرية للإسرائيليين، والتي ترقى إلى مستوى مطاردة جرائم الحرب. كشفت رسالة أرسلتها هيئة الهجرة الأمريكية إلى «يوفال»، أحد كبار موظفي التكنولوجيا الدقيقة في وادي السيليكون، أن الأسئلة الإلزامية تشمل ما إذا كان «يوفال» قد شارك في القتال، وما إذا كان قد قاد الجنود، وما إذا كان قد قام بحراسة أو أمر الآخرين بالقتال أو حراسة المعتقلين، إذا كانت الإجابة بـ«نعم» على أي سؤال، فسيتم طلب تفاصيل تتعلق بالظروف. لقد أصبحت الأسئلة مفصلة للغاية فيما يتعلق بالخبرة في المتفجرات أو حتى الأسلحة في الجيش.


وقال المحامي «ليام شوارتز»، الخبير في معاملات الهجرة الخاصة بالشركات، لموقع «Ynet» إن الأسئلة الشاملة هي جزء من سياسة أمريكية جديدة. وأوضح أن التحقيق الذي يسعى للحصول على توضيحات حول كيف ومتى ولماذا تم استخدام الأسلحة و/أو المتفجرات ضد شخص آخر يهدف إلى فهم ما إذا كنت قد ارتكبت جرائم حرب. كما يمكن للسلطات أن تستخدم طلب الحصول على معلومات بشأن المشاركة النشطة كمقاتل في المعارك بغرض صياغة موقفها فيما يتعلق بالأفعال التي تُعرف بأنها إبادة جماعية.

وقد تمتد مشكلة الإسرائيليين أيضًا إلى السياح المحتملين؛ حيث قالت امرأة إسرائيلية لوسائل الإعلام إنها تقدمت بطلب للحصول على تأشيرة سياحية في سفارة أمريكية في أوروبا وخضعت لاستجواب مكثف من قبل مسؤول في السفارة حول خدمتها العسكرية الاحتياطية التي انتهت للتو في غزة، وتم رفض طلبها». لحظة استيقاظ، متأخرة لكنها بدأت.

أما النقطة الأولى التي كانت تؤرقني حقًا هي سيرة الحاخام «مئير كاهانا»؛ كيف لهذا الرجل وبهذه السيرة النتنة الإرهابية أن يفلت خارج الحوارات التي تحتاج أمثلة عند مواجهة من يتهمنا بالإرهاب! كيف لا نهاجم عنصرية ساستهم وإعلامهم والإنجيليين المتطرفين لديهم بوضع كرت هذا المتوحش أمام «عميتهم»!

«مئير كاهانا»، هو حاخام أرثوذكسي، أسس حركة يهودية متطرفة عنيفة وحزبًا سياسيًا فاشيًا في الكيان المحتل. وقد ارتكب أتباعه العديد من الهجمات العنيفة ضد الفلسطينيين والأمريكيين وغيرهم. وقد صنفت حكومة الولايات المتحدة حزب «كاهانا كاخ»، ورابطة الدفاع اليهودية «JDL»، وفروعها على أنها منظمات إرهابية. وعلى الرغم من اعتقاله 70 مرة، إلا أن أفكار «كاهانا» العنصرية لا تزال سائدة في الكيان المحتل، ومن تلامذته «إيتامار بن جفير» زعيم القوة اليهودية ووزير الأمن القومي في عهد نتنياهو، حيث سيطر على الشرطة الإسرائيلية وشرطة الحدود في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة، ولا نحتاج سرد تاريخه الأسود.

إن «كاهانا» وهو من أنصار التفوق اليهودي، كان قد دعا إلى إقامة دولة يهودية ثيوقراطية تشمل إسرائيل والضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة والدول المجاورة. ودعا إلى الفصل الصارم بين اليهود وغير اليهود، واستعباد وطرد الفلسطينيين، كما قدم قوانين مقترحة في الثمانينيات، بما في ذلك الرسوم والضرائب والعبودية والحقوق الوطنية وقيود الإقامة وحظر الزواج المختلط والعلاقات الزوجية والانفصال على الشواطئ، بمعنى أنه سيتم إلزام غير اليهود بتحمل الرسوم والضرائب والعبودية، وسيتم حرمانهم من الحقوق الوطنية والمشاركة السياسية وحقوق التصويت، كما سيواجه اليهود وغير اليهود السجن بسبب الزواج والعلاقات الغرامية المختلطة أو استخدام نفس الشواطئ!

كما أنه كان لدى الرابطة معسكر تدريب على الأسلحة والقتال على سفوح جبال «كاتسكيل» في نيويورك (وفي ولايات أخرى لم يصرح عنها لكن ذكرت المعلومة في تقرير ظهر في «نيويورك تايمز» في بداية التسعينيات)، المعسكر محاط بسياج معدني يحرسه المعسكريون على مدار 24 ساعة وتتراوح أعمار المشاركين في المخيم، وعددهم 37 شخصًا، وبينهم فتيات، ما بين 13 و19 عامًا؛ يرتدون زيًا عسكريًا أخضر مزخرفًا برقعة الأكمام باللونين الأزرق والأبيض. يا سلام! أين كان إعلامهم عن هذه المعسكرات عندما شُن الهجوم على «الأكاديمية الإسلامية» في ولاية فرجينيا واتهمت حينها بأنها تخرج إرهابيين؟!

نفذ أعضاء رابطة الدفاع اليهودية العشرات من عمليات الاعتداء الجسدي الوحشي، وعمليات إطلاق النار المميتة، والتفجيرات، وغيرها من الهجمات والتهديدات في الولايات المتحدة وداخل الكيان المحتل بين أواخر الستينيات وحتى عام 2017، مما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص وإصابة مئات آخرين، وبين عامي 1980 و1985، وثّق مكتب التحقيقات الفيدرالي 17 تفجيرًا نفذتها رابطة الدفاع اليهودية في الولايات المتحدة، وقد اتُهم اثنان من أعضاء الرابطة بالتخطيط لتفجير مكتب عضو الكونجرس الجمهوري «داريل عيسى» ومسجد الملك فهد في «كولفر سيتي» في كاليفورنيا.

تم اغتيال «كاهانا» عام 1990 ولكن وعلى الرغم من حظر رابطته كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة في التسعينيات، لا يزال أعضاء الرابطة نشطين بأعمالهم الإرهابية داخل الأراضي المحتلة وفي الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، بما في ذلك كندا، حيث لم يتم حظرها وتعمل بشكل علني !

لا أدري إن كان وصل الرابط ما بين النقطتين أو الخبرين، إن لم تصل أعد القراءة وتمعن وإن لم تصل إلى المغزى قد تكون تحتاج إلى نقطة ثالثة من بين الأخبار المبعثرة هنا وهناك، أو ربما رابعة أو خامسة، استمر في تضييق حلقة التركيز والتخلص من الملهيات من الأخبار، صدقني ستصل، فالمتعة تكمن هناك... في تلك اللحظة، ولا أريد أن أسلبك إياها.