السياسة لاعب كبير في ساحة هذا العالم. على ميزانها تنشأ القوى العسكرية والتكتلات الاقتصادية، ومع بوصلتها تتحرك المجتمعات وتتغير معالم الثقافات.

والسياسة مع كل هذا ليست قوالب جامدة أو معاني مطلقة، بل هي عوالم تتطور وتتحول على مدار الساعة.

والملاحظ أن الشارع اليوم في أي دولة هو جزء لا يتجزأ من مشهد سياسي معولم إلى حد كبير، ما يجعلنا نتساءل عن مستوى وعينا السياسي، وفهم مجتمعنا وأجيالنا الناشئة للسياسة في صورها وأشكالها وآثارها المتعددة.

مبدئيا ليست لدينا دراسات واضحة حول هذا الموضوع، ولكن بإمكان أي مراقب أن يلاحظ انخفاض الوعي السياسي، واختلاط المنطق السياسي بالفكري في مزج غير متجانس من الآراء الشخصية والرؤى العاطفية والتوجهات التقليدية. يظهر هذا بشكل جلي في أحاديث الناس وحراكهم على مواقع التواصل.

وحيث إننا شاهدنا غير مرة وعلى مدى تاريخنا قوة حضور المدرسة في تأصيل الفكر وبناء التصورات، فإنني أقترح اعتماد منهج مستقل للعلوم السياسية يبدأ على الأقل من المرحلة الثانوية.

وأتصور أن يركز هذا المنهج على طرح موضوعات مثل الأنظمة السياسية تياراتها واتجاهاتها، وشكل الدول والاتحادات، ومبادئ ومراحل تطور الفكر السياسي، والتيارات الفلسفية السياسية، والعلاقات الدولية، كما يطرح أهم النظريات السياسية وتطبيقاتها العملية، على مر التاريخ.

في هذا الاتجاه يمكن تشجيع المتعلمين وتدريبهم على النقاش والقياس على الأوضاع الراهنة، مع تعزيز قيمهم الوطنية، ودعم توجهات المعرفة والقراءة، كطريق لبناء التصورات واختبار الفرضيات حول القضايا السياسية المعاصرة.

كما يمكن أيضا أن ينخرط المتعلمون في تفكيك السرديات السياسية المركبة وفحصها تاريخيا، حتى يتمكنوا من بناء أنماط فكرية نقدية مبنية على الفهم والمقاربات الواقعية.

وإذا كانت مناهج الدراسات الاجتماعية المعتمدة في مدارسنا اليوم، تحتوي فعلا على بعض الموضوعات والمعلومات السياسية، إلا أنها في رأيي ليست كافية، كما أنها ليست مترابطة بشكل مفاهيمي، وينقصها نضج السياقات، وتأهيل المعلمين وإلمامهم بالمعاني الكبرى. هذه الفجوة بدورها أنتجت نمطا تعليميا نظريا غير فاعل في واقع الطلاب من جهة، ومن جهة أخرى غير حاضر في أذهانهم عندما يقرأون الأحداث وبما يتطلب أحيانا شيئا من القدرة على التحليل، أو عندما يواجهون أطروحات مضادة لبلادهم أو ثقافتهم.