في أواخر يناير من عام 2020 أقيم مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، ومن أبرز أحداثه المداخلة الثمينة، للدكتور محمد الخشت، حيث وضع النقاط على الحروف بصفته «رجل علم»، وبطريقة تنضح أدبًا واحترامًا لمؤسسات الدولة المصرية، ومنها «مؤسسة الأزهر الشريف».

وقد كتبت مقالاً آنذاك بعنوان «التجديد الديني خارج الأقواس»، وقد استعدت المداخلة للدكتور الخشت «كاملة دون حذف» من على منصة اليوتيوب بعد مرور ما يقارب الخمس سنوات، لأقارن بين فهمي القديم وفهمي الحديث لنفس الموضوع، فوجدت أن هناك منطلقات يجب الإشارة إليها لأنها من «المعوقات الجذرية» في تجديد الفكر الإسلامي، وأبدأ بما يلي:

الدكتور محمد الخشت «رجل علم»، وفي هذه الدلالة ما فيها من «موضوعية وحياد مهني» كافٍ أمام أي مسألة «علمية»، فهي «مهنة» لا ارتباط بينها وبين «الجماهير/الغوغاء»، بل إن لغة «رجل العلم» ثقيلة على عقول العامة، «التثاؤب/الرغبة في النوم» هي أقصى ما يمكن أن تستجلبه لغة «رجل العلم» مع العامة بخلاف لغة «رجل الدين»، وما فيها من مهارات خطابية يمكن اعتبارها في بعض مظاهرها تاريخًا لميلاد فن «المونودراما»، وهذا ما جعل أكثر اشتغالات رجل الدين تدور حول «تجديد الخطاب الديني» للجمهور كنوع من مباحث الديماغوجيا، وليس «تجديد الفكر الديني» كنوع من النظر الابستمولوجي.


بالإضافة إلى ما في مصطلح «رجل الدين» من مضمرات «الارتباط بالحق المطلق»، مما يستجلب الوصول لأقصى معاني الاستبداد في «أنا الحق والحق أنا»، وما يستتبعها من «سيطرة سياسية» يستجيب لها بصدر رحب «العامة/المسحوقون» على شكل ثوب «قداسة» يضعوه على أكتاف من يتحدث باسم الله من خلال قضاياهم منذ أبو ذر -رضي الله عنه- «توفي 31 هـ»، مرورًا بسعيد بن جبير «توفي 95 هـ»، وصولاً لنجاحات سلطوية «استثنائية/بيع الأمراء في المزاد» حققها العز بن عبدالسلام «توفي 660 هـ»، ثم تكررت مع آخرين بعده، مما جعل ابن خلدون «توفي 808 هـ» يفرد لها فصلاً في مقدمته، ذكر فيه المزيد من الأمثلة ثم ختمه بقوله: «ثم اقتدى بهذا العمل بعد كثير من الموسوسين يأخذون أنفسهم بإقامة الحق، ولا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته من العصبية، ولا يشعرون بمغبة أمرهم ومآل أحوالهم، والذي يحتاج إليه في أمر هؤلاء، إما المداواة إن كانوا من أهل الجنون، وإما التنكيل بالقتل أو الضرب إن أحدثوا هرجًا، وإما إذاعة السخرية منهم وعدهم من جملة الصقاعين» الفصل السادس من مقدمة ابن خلدون ص150.

وتبقى المناكفات بين المذاهب للدين الواحد، ليست سوى «صراع سياسي» داخل «دائرة الحكم» صراعات «داخل بلاط السلطة نفسه» يستثمره «رجل الدولة الكلاسيكي» باتجاه مصالح زمانه فيقرب هذا حينًا ويقصي ذاك حينًا أخرى، ولهذا فـ«فتنة عثمان وعلي» نفسها، تجد إسقاطاتها في زمننا الحاضر لوجود العقلية الدينية نفسها التي يستثيرها الحدث، كما لو كانت جزءًا من «لحظته التاريخية»، لتبدأ باستيهاماتها النفسية، فتسقطها على ما حولها «خوارج، نواصب، روافض، دهرية، معتزلة، زنادقة..... إلخ» ليصنع منها «رجل الدين» بارانويا جماعية، إن أهملها «رجل الدولة الحديثة» تحولت إلى حروب أهلية طاحنة... وللحديث بقية.