بين عامي 1376 و1377 من الهجرة أنشئ «سلاح البحرية» كقوة بحرية للدفاع عن أمن وسلامة أراضي المملكة والبحار الإقليمية لها، والمشاركة في تحالفات بحرية دولية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ العمل الجاد لتعزيز وتطوير الترسانة العسكرية والبحرية في الأسطولين المهمين على الخليج العربي، والبحر الأحمر، ودعمهما بما يلزم من السفن القتالية والطيران البحري والمشاة والوحدات الخاصة.

وفي سبيل ذلك أنشئت كلية الملك فهد البحرية، ومعهد الدراسات الفنية، ومدارس القوات البحرية، ومدرسة مشاة البحرية، ومدرسة وحدات الأمن البحرية الخاصة، بالإضافة لمراكز التدريب البحري.

«القوات البحرية الملكية السعودية»، وهو اسمها اليوم، لها قصص يرويها أبطالها، الذين عاصروا تأسيسها وتطورها، نشرت في ذي القعدة عام 1443، في كتاب «قصة البحرية الملكية السعودية.. الماضي الحاضر والمستقبل».

وأخص في مقالي هنا الضابط رقم (8) في تسلسل ضباط البحرية المتخرجين من الكلية البحرية المصرية، برأس التين بالإسكندرية، عام 1382، برتبة «ملازم ثاني بحري»؛ عمي البطل، العميد بحري ركن، عثمان فدعق، بعد يوسف مرداد، ومرزوق العدواني، والقائدين رشاد أبوالسمح، ومحمد عون البركاتي، وسالم باريان، والقائد إبراهيم السجا، وداوود الطيب، ومع عصام إدريس، ومحمد العجلان، وبعدهم عبدالله شرف الدين الهندي، ومحمد خياط، وهم جملة الدفعات التي ثابرت حتى تخرجت من مصر، خلال الفترة من 1378 و1384، وعددهم 12، وعاد غيرهم، 13 منهم اختاروا الإكمال بالمدرسة البحرية بالدمام، وهم: محمد المطوع، وبدر الصالح، وعبدالله فدعق، والقائد طلال المفضي، وعبدالعزيز عطا، وفهد اليوسف، وعبدالرحيم الحربي، ومحمود دشاش، ومحمود أبوالسعود، وعبدالرحمن عقاد، وغالب كتبي، وزكي منصوري، والقائد فهد بن عبدالله آل سعود، وفورًا بدأ رحلة الشرف بالقاعدة البحرية بالدمام، «آمر أفراد»، ورئيسًا لقسم الإشارة بإدارة العمليات البحرية، وقائدًا للأسطول الغربي، ومشرفًا على أعمال تأسيس قاعدة الملك فيصل البحرية بجدة، ومساعدًا للملحق العسكري للشؤون البحرية بفرنسا، وقائدًا للوحدات العائمة، ومساعدًا لرئيس ركن التعليم بكلية القيادة والأركان، حتى انتهى به التجوال «قائدًا لمدارس القوات البحرية» بالجبيل، وحفل سجله المشرف بمشاركته مع بعثة المملكة في حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1376، وحصوله على وسام الملك فيصل، وميدالية سلاح البحرية من الدرجة الأولى، ونوط درع الجزيرة، ونوط الخدمة العسكرية، لخدمته المتواصلة لمدة 28 عامًا.

عمي البطل، رحل عن دنيا الالتواء والابتلاء لدار الاستواء والجزاء مغرب الاثنين الماضي، سادس أيام العيد، وأحمد ربي أني عرفته وتعرفت على جوانب مضيئة في حياته، خصوصًا حبه للعلم الشرعي، وحضور مجالس التعليم التي أنشأها والده سيدي الجد السيد حسن فدعق، الإمام بالمسجد الحرام، وأشهد له مع عارفي قيمته، بما من الله عليه من الجمع بين الشخصيتين العسكرية والمدنية.

فإضافة لاحترامه لذاته وثقته بنفسه، فقد تجلت فيه سمات الحكمة والشجاعة، والصبر والإرادة، والشهامة والنخوة، والذكاء والحس المرهف، والذهنية الصافية، والتسامح والإنسانية، والنضج المعرفي والانفتاح الثقافي وحسن الإدراك، والعزيمة والروح المعنوية العالية، والمهارات والقدرات المختلفة، والهدوء والانضباط.

سأفتقد كثيرًا من كان يناقشني باستفاضة في مقالاتي الأسبوعية، وسأفتقد صوت ترديده «نزلنا ها هنا ثم ارتحلنا * كذا الدنيا نزولٌ وارتحالْ»، والعزاء أنه خلف محاسن كريمة، وخدم بحر وأرض وسماء الوطن الغالي بصدق وأمانة وإخلاص.. اللهم اغفر لعمي عثمان، وكل من رحل عنا، وارفع درجاتهم في المهديين، وافسح ووسع لهم في قبورهم، ونور لهم فيها، وآجر كل مصاب في قريب وحبيب، واخلفهم في عقبهم من بعدهم، وعوض الكل خيرًا.