-الطبیعة البشریة قائمة على حب الأضواء ونیل المدیح والإطراء والحصول على الشھرة ويُعتبر اهتمام الناس تقدیرًا للشخص ولفكره وإنجازاته لكن تكمن الإشكالیة حین تتحول الحقیقة إلى وھم وتفاھة وتصبح الشھرة قائمة بحد ذاتھا!!

فتعتبر حینھا ھي الوجود الحقیقي لصاحبھا وبدونھا فلا معنى ولا وجود له فھذه الشھرة المزیفة تخلو من خصائص الشھرة الحقیقیة والواقعیة والتي تجيء نتیجة شھرة تراكمیة وطبیعیة نتیجة إحساس بالمسؤولیة ونجاح لافت في مجال العمل وتكون قد تزینت بالأمانة والوعي... والھوس بالشھرة لها أسبابھا الاجتماعیة والثقافیة والعقلیة والسلوكیة، ويؤدي تغلغل هذا الداء الاجتماعي وأعني الشهرة المشوهة إلى حالة من المسخ الثقافي وتنازل رھیب عن القیم الدینیة والاجتماعیة والإنسانیة، وھذا یؤدي إلى تشوه بصري وسمعي عارم، فینتھي أخیرا وللأسف إلى قبول المجتمع لھذه الصورة المزیفة والنماذج التمثیلیة، ویصاحبھا في الوقت نفسه غیاب أو تغییب للنماذج والقدوات المضیئة في كل المجالات وهي التي كانت إلى زمن قریب قدوات یحتذى بھا خصوصًا لدى النشء والذین ھم أشد الفئات تعرضًا لھذا الخطر القادم من مستنقعات التفاهة لیحل محلھم تلك النماذج الناتجة عن إفرازات عصر التقنیة ووسائل التواصل الاجتماعي..

والھوس بالشھرة لیس حدیث الیوم وإن كان قد أصبح ھذه الأیام ظاھرة مھیمنة فقد روى ابن الجوزي عن حادثة وقعت في زمنه عندما قام إعرابي أثناء الحج بالحسر عن ثیابه ثم بال في بئر زمزم، وعندما أتوا به إلى والي مكة وسأله عما دفعه لھذا الفعل المشین، قال الإعرابي حتى یعرفني الناس، فیقولون ھذا فلان الذي بال في بئر زمزم، وما أكثر أمثاله في زمننا ھذا والذین یتبولون في كل لحظة في وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي عام 1980 قام مارك شایمن بقتل مغني فرقة (البیتلز الشھیرة) جون لینون ولیصرح بعدھا أن ذلك الفعل قد حوله إلى شخص شھیر. وفي عام 1980 قام جون ھنكلي بمحاولة اغتیال الرئیس الأمریكي الراحل رونالد ریجان محاولة منه لجذب انتباه الممثلة الأمریكیة جودي فوستر... ومحاولة اقتحام عالم الشھرة قد یكون مفھومًا ومقبولًا وذا مرجعیة سیاسیة أو رياضية أو إعلامية أو اقتصادية فالسیاسیون الذین یدخلون الانتخابات تصبح الشھرة أساسیة لھم، وعنصر أساسي للنجاح فلدیھم فرق خاصة لخدمة ھذا الغرض. كما أن أن ھناك فئات في المجتمع والذین یعتمد دخلھم المادي على مقدار الشھرة التي یحققونھا كلاعبي كرة القدم وبقیة الألعاب الریاضیة الأخرى ونجوم السینما العالمیین والاقتصاديون والذین یھتمون بھذا العالم الملئ بالأضواء والفلاشات لتحقیق المزید من الأرباح والعائد المادي المجزي... ومن جانب آخر وھذا ما یھمنا ھنا، ھو الخلفیة والأرضیة للشھرة وھوسھا ذات التمدد والتجذر في غیاھب الاضطراب النفسي والعقلي والسلوكي فیكون حینھا منطلقھا وأساسھا الرئیسي واحد وھو الشعور بالدونیة وعدم الثقة بالنفس والذي یقود إلى السعي وراء الشھرة بأي طریقة كانت لتعویض ما یصیب ھذا الشخص من نقص واضطراب وتزلزل صاخب في كینونة شخصیته ومن أھم تلك الإضطرابات الشخصیة ما یلي:

١- اضطراب الشخصیة التمثیلیة (Histrionic personality (disorder وھي أن یسعى صاحبھا لجذب الانتباه بأي طریقة ممكنة كانت، وشعور ھؤلاء بالثقة بالنفس لا ینبع من شعورھم بثقتھم الذاتیة، بل بتقبل الآخرین لھم، وكلما ازداد تقبل الآخرین واھتمامھم وترحیبھم بھؤلاء زاد مستوى الشعور بالرضا لدیھم،

وھذه الشخصیة لدیھا قدرات غیر عادیة لإبراز العواطف بشكل متناقض ولذلك یسمونھم بالشخصیات الدرامیة والتمثلیة وجزءًا ليس قليلا من هذه الفئة يتجه أصحابها لمھنة التمثیل، لأن الفن ھنا یحقق أھدافھم، والتي تتمثل في جذب الانتباه، فھم دوما تحت الأضواء، ولدیھم قدرة في التعامل مع العواطف وإبرازھا، وھذا النوع من اضطراب الشخصیة یتواجد أكثر عند النساء وھم یعشقون الإثارة وارتداء الملابس المثیرة وغیر اللائقة والإتیان بمحتویات فارغة وتافھة وخارجة عن إطار الذوق والأدب العام وھم یتجھون لحالة من الاكتئاب والقلق. والتوتر عند انحسار الأضواء عنھم.

٢-: الشخصیة النرجسیة:(Narcissistic (personality disorder وهذه الشخصية لديها شعور بالأهمية المبالغة في النفس حتى لو لم یكونوا یملكون أي إمكانیات تبرر ھذا الشعور، والمشكلة ھنا تكمن أنھم یتوقعون من الآخرین أن یتعاملوا معھم وفق نظرتھم ھم ولذلك یسعون إلى طلب الشھرة بشكل غیر عادي، محاولة منھم لتلقي المدیح والإطراء، لیكونوا دومًا في مركز الاھتمام، وھذه الفئة تسعى لتملك الأكبر والأغلى والأندر وغیرھامن سیارات وملابس، وإكسسوارات وكما یأتون بالكثیر من الأفعال الغریبة، والأقوال غیر المنطقیة، أو الأطروحات المعاكسة للتیار بشكل لافت، وكل ھذا لتحقیق المزید من الحضور والتواجد تحت الأضواء... والشخصیة النرجسیة في معاناة مستمرة تبعًا لطلبھا الإطراء المبالغ والمستمر مقترنا بالتضخیم في الإنجازات ومجالات التفوق والتي ھي في غالبھا إنجازات دون كیشوتیة

وھم یعتقدون قدرتھم على فھم مشاعر الآخرین، كما أنھم كثیرو الانتقاد للآخرین.واحتقارھم، وھم وراء ھذا القناع المرضي، یعانون من نقصان تقدیر الذات وینزعجون بسھولة من أدنى انتقاد، ویصابون أخیرًا بالتعاسة والاكتئاب والقلق إذا لم یتم منحھم الإعجاب والامتیازات التي یعتقدون ھوسًا أنھم یستحقونھا وعشقھم للأضواء وأخذ اللقطة لا یبارى وھذه الشخصیات المضطربة في بنیویة شخصیتھا وتركیبھا سواءً كانت الاضطراب التمثیلي أو النرجسی یؤول معظم أصحابھا إلى حالات من القلق والاكتئاب الشدید، وفصام الشخصیة والضلالات وھذا ربما یقودھم إلى ما یسمى ظاھرة (السوبر نوفا) والسوبر نوفا: ظاھرة كونیة تنتج عن إنفجار نجمي كبیر بسبب عدم تحمله الطاقة الرھیبة داخله!!

ویطلق ھذا المصطلح على ظاھرة انتحار المشاھیر، فھؤلاء قد وصلوا في مرحلة متأخرة من شھرتھم إلى ما نسمیه ظاھرة السوبر نوفا فالشھرة ومتلازماتھا وھوسھا أدت لحیاة معادلاتھا غیر متكافئة، فیقع أصحابھا أخیرا في بوتقة من الاكتئاب والقلق، فضلا أنھم یعانون من الفراغ الروحي، وعدم فھم دور الإنسان في ھذه الحیاة كمستخلف لله عز وجل، یقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وھو مؤمن فلنحیینه حیاة طیبة ولنجزینھم أجرھم بأحسن ما كانوا یعملون)

ومن المنطقي ھنا أن یكون التافھون ومشاھیر الفلس وجھان لعملة واحدة نظرا للمحتوى السخیف والھابط والتافه التي تحتویه أطروحاتھم. یقول البروفیسور الكندي الشھیر(آلان دونو) في كتابه الأشھر (نظام التفاھة):«إن مواقع التواصل الاجتماعي نجحت في ترمیز التافھین أي تحویلھم إلى رموز فقد صار یمكن لكل جمیلة بلھاء أو وسیم فارغ أن یفرضوا أنفسھم على المشاھدین ویدعم التافھون بعضھم بعضًا فیرفع كل منھما الآخر لیقع التأثیر بید جماعة تكبر باستمرار لأن الطیور على أشكالھا تقع» كما یقول: «یجرف المحتوى التافه ما تباھت به البشریة من منجزات أدبیة وفنیة وإداریة وسیاسیة وتاریخیة، فقد جاءت التفاھة وھي تحمل معھا قیمًا جدیدة تتعلق بالأخلاق والمثل والعادات وأسالیب العیش» كما یقول في ذات الكتاب «إن وظیفة التفاھة تشجع بكل الطرق على الإغفاء بدلًا من التفكیر، والنظر إلى ما ھو غیر مقبول على أنه أمر حتمي، وإلى كل ما ھو مقیت، وكأنه ضروري ھي ببساطة تحولنا إلى أغبیاء». ویرى آلان دونو «أن التافھون قد حسموا المعركة...» فھل حسموھا بالفعل؟ وھل نسلّم أن ھؤلاء التافھون قد سیطروا على المشھد بعد أن أصبحوا حدیث الناس ورموزھم، وصاروا نجوم المجالس والمناسبات ووسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح زحفھم لا یتوقف حتى أصبح العالم والمثقف الحقیقي وبقیة النخبویون الحقیقیون یتوارون عن الأنظار ومھددون بالانقراض في ظل تسید ھذه الفئة التافهة وحلة التفكیر فقیرة وسخیفة المحتوى؟

حتى صاروا في غفوة من الزمن ھم المفكرون والمنظرون والمؤرخون... یقول عباس محمود العقاد: «لیس ھناك كتاب أقرأه، ولا أستفید من قراءتي له حتى الكتاب التافه أستفید من قراءته وھو أنني قد تعلمت شیئا، وھو ما ھي التفاھة؟ وكیف یكتب التافھون؟ وفیما یفكرون؟