لم يفتأ العديد من نشطاء جماعة الإخوان المسلمين يقارنون بين حسن البنا وابن تيمية، ويستدلون أحيانًا بفتاوى ابن تيمية، حتى بلع العديد من مخالفي الجماعة الطعم، ورددوا الدعاية نفسها، وصاروا يهاجمون ابن تيمية بحجّة رفض التطرّف والإرهاب الذي سلكته الجماعة، وظنّوا أنهم بهذا يحطّمون الأسس الفكرية لإرهاب الجماعة، فما حقيقة انتسابهم إلى ابن تيمية؟

يعدُّ ابن تيمية أحد أغزر الكتّاب في تاريخنا الإسلامي، وقد طبع له مجموع الفتاوى في 37 مجلدًا، غير المصنّفات في مختلف المعارف والعلوم، وأحدث نقاشًا كبيرًا في زمنه في القرن الثامن هجريًا، فدارت نقاشاته مع مختلف التيارات، في قواعد اللغة، والفقه، والعقائد، والكلام، وحتى الأصول، والمنطق والفلسفة، وهو ما يختلف تمامًا عن مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، الذي لم يعرف له باعٌ في العلوم الشرعية أو غيرها، إنما اشتهر بعد أن أسس جماعة سياسية بشعارات دينية، وخلال المقالات التي كتبها البنّا كان اسم ابن تيمية غائبًا عن سطوره، وحتى كتابات سيّد قطب خلت تمامًا من الاقتباس عن ابن تيمية، وهو ما يدفع إلى مراجعة الادعاء بأنَّ الجماعة اعتمدت على كتب ابن تيمية.

فلم يكن اسم ابن تيمية معروفًا بين الجماعة في بداياتها، في أوائل القرن العشرين حتى منتصفه، ورغم عدم ارتكازها على اسمه أو مؤلفاته، فإنها حينها تورطتْ في الاغتيال السياسي لخصومها، وأسست نظامًا خاصًا مسلّحًا يأتمر بأوامر حسن البنا، الذي لم يحرص على الدخول في دقائق علم الكلام، أو الدخول في أيِّ جدال فقهي، إذ كان همُّ البنّا يتلخّص في جمع أكبر قدر ممكن من الجنود المطيعين تحت رايته، لتوجيههم بما يراه من مصلحة الجماعة، في ظرف انتشار الأخبار عن انبعاث الحركات القومية المتشددة في العالم، مثل الفاشية في إيطاليا، والنازية في ألمانيا، فكانت جماعة الإخوان تحاكي الأحزاب اليمينية المتطرفة أكثر من كونها تمتثل لتعاليم دينية لمصلح قبلها بقرون.


ومع الصراع على السلطة بين جماعة الإخوان وجمال عبد الناصر في الخمسينات والستينات، فإنَّ العديد من أعضائها جاؤوا إلى السعودية مثل محمد قطب شقيق سيّد قطب، فوجدوا أنَّ اسم ابن تيمية حاضرا فيها، ومحل احترام بين علمائها وطلبة العلم، ومن هنا بدأ دخول اسم ابن تيمية في التراث الإخواني، الذي لا يجد له الباحث أثرًا في رسائل البنا، ولا الهضيبي، ولا سيّد قطب، فتعامل هؤلاء الإخوان مع تراث ضخم جدًا للرجل ففهموا أنه يمكنهم الاقتطاع منه، وتوظيفه لتسويغ أغراضهم، وأول رصد لتوظيف ابن تيمية في الصدام مع السلطة كان مع محمد عبد السلام فرج من جماعة (الجهاد المصرية)، في كتابه المسمّى (الفريضة الغائبة) في السبعينات، إذ وظف فيه فتوى لابن تيمية في التتار الذين احتلوا العديد من المناطق الإسلامية، ومنها موطن ابن تيمية في الشام، ثم ادعوا الإسلام، فرفض ابن تيمية الاعتراف بإسلامهم، واعتبرهم غزاة محتَلين، فاقتطع كلامه محمد عبد السلام من هذا السياق وجعله فتوى في الدولة المصرية!

على أنَّ ما قام به التتر كان شبيهًا بما فعله نابليون في الحملة الفرنسية في مصر (1798)، حين ادعى نابليون الإسلام، وبقي على احتلاله! وكان موقف ابن تيمية من التتار مبنيًا على عدة استدلالات منها أنَّ التتار بقوا يحتفظون بتراث جنكيزخان معظمًا بينهم أكثر من التعاليم الإسلامية، حتى انتشر بينهم تفضيل جنكيزخان على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون بأنّه ملك ابن ملك، بخلاف النبي! فتم نزع هذا من سياقه، وتوظيفه في الحكم في مصر! وقد جعل بعض الباحثين نص محمد عبدالسلام أول دعوة إلى اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات.

ومن رحم هذه الاستدلالات والتوظيف، صار المرشد الثالث للإخوان عمر التلمساني، يذكر ابن تيمية ويقارن بينه وحسن البنا، ويعتبر أنهما جزء من مشروع واحد، وهو ما يظهر أنَّ الجماعة سعت إلى توظيف نصوص لابن تيمية منتزعة من سياقها في أغراضها السياسية، لادعاء أنها دعوة دينية لها تاريخ قبل تأسيسها بقرون، لإخفاء حقيقة أنها نشأت لأغراض سياسية، بالتآمر للوصول إلى السلطة، فزعمت في سبيل ذلك ارتكازها على تعاليم دينية، في حين أنها لم تعتمد على مذهب معيّن، أو عالم معيّن، بل هي جماعة سياسية توظّف الأقوال حسب منفعتها.