فقد تبادلت الفلسفة اليونانية التأثير والتأثر مع بقية الديانات التي عاشت بجوارها كالمسيحية واليهودية والإسلام والمجوسية والهندوسية. وهنا قد يتساءل القارئ: هل للديانة اليونانية -الفلسفة تحديدا- وجود في القرآن الكريم؟ يقول تعالى في سورة الحج: «إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ». ودعونا نتوقف قليلا عند كلمة «الصابئين». من هم الصابئة الذي ورد ذكرهم في القرآن في ثلاثة مواضع، في سورة البقرة والمائدة والحج، وما طبيعة معتقدهم وهل يمكن أن يكون الصابئون هم أنفسهم الفلاسفة؟
كان الصابئة وحتى وقت قريب موضع خلاف بين المؤرخين والفقهاء وحتى بين المستشرقين. هناك من يعتقد أنهم يعبدون النجوم والكواكب، فهم ليسوا يهودا ولا نصارى ولا مجوساً، وبعض المفسرين يصفهم بأنهم أقوام لم تبلغهم دعوة نبي، ويخالفون اليهود والنصارى وينكرون نبوة موسى وعيسى، وبناءً على ذلك هم ليسوا بأهل كتاب. فهناك اختلاف واضح في معرفة عقيدتهم وفي تحديد الموطن الأصلي لهم.
في جملة من الآراء المتنوعة يرتبط اسم الصابئة بشكل متكرر بعبادة الكواكب وأنها ذات أرواح ناطقة ويؤمنون أن الإله يظهر في الكواكب السبعة، وهذا يعني أنهم يؤمنون بروحانية الكون والكواكب. وتصف المستشرقة البريطانية الليدي دراور معتقدهم الديني بعبادة قوانين الحياة والخصب، فالحياة لديهم تجسيد لقوة كونية خلاقة نافعة. الصابئة يؤمنون بالإله الواحد والمتعدد أي الإله الذي يتجلى في مخلوقاته، ولعل هذا يقربهم من فلسفات الحلولية التي تتفرع من العقيدة الرئيسة وهي عقيدة وحدة الوجود، وهي عقيدة غير سماوية عاشت في صراع مع الأديان السماوية في مراحل متعددة من التاريخ، وتمثل اللب والجوهر في غالب أفكار الفلاسفة عبر التاريخ، ومن ثم يمكن اعتبار الفلسفة مرادفا تاريخيا لدين الصابئة، هذا إذا وضعنا في الحسبان أن هناك بعض المؤرخين يرجع أصل الصابئة إلى اليونان القديمة. ويؤكد أن الصابئين كانوا يقدسون شخصيات يونانية دينية كأفلاطون وفيثا غورس وأفلوطين، فضلا عن ارتباط اسم هرمس بالصابئة ونحن نعرف أن هرمس من الشخصيات المحورية في الثقافة اليونانية، فكثير من المشتركات التي لا حصر لها تضع أفكار الصابئة ومعتقداتهم في محيط لا يتجاوز أفكار الفلاسفة.
هذا يحيلنا إلى عقيدة تناسخ الأرواح ومدى إمكانية مقارنة التناسخ عند الصابئة وكذلك عند الهندوس واليونان، ما يزيد تأكيداتنا بوجود علاقة تاريخية بين الصابئة والفلاسفة. ويمكن القول إن الفلاسفة قد يكونون هم الصابئة المذكورون في القرآن الكريم.