ففي عام 1931 ميلادي وقبل سنة واحدة من تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية تم إبرام معاهدة التفاهم والصداقة بين دولة فرنسا ومملكة الحجاز ونجد وملحقاتها. ومن الجدير بالذكر أن دولة فرنسا كانت من أوائل كبرى الدول التي اعترفت بحكم وسيادة مؤسس وموحد بلادنا المباركة، جلالة المغفور له بإذن الله تعالى، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حيث كان هذا الاعتراف في عام 1926 ميلادي. ومنذ ذلك التاريخ لم تعرف هذه العلاقات الثنائية بين السعودية وفرنسا سوى التقدم، والازدهار، والتفاهم، والتعاون المشترك في جميع المجالات والقطاعات وبما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين. لقد كانت لزيارة، جلالة المغفور له بإذن الله، الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود إلى العاصمة الفرنسية باريس في عام 1967 ميلادي واجتماعه، رحمه الله، بالرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول في قصر الإليزيه الرئاسي الأثر الأكبر والمحرك الدافع لتطور ونمو وازدهار هذه العلاقات، ومن الضرورة الإشارة هنا إلى أن التاريخ خط بحبر من ذهب دبلوماسية الحوار والحنكة السياسية لجلالة الملك فيصل -رحمه الله- أثناء هذا الاجتماع.
إن ما يُميّز العلاقة بين السعودية وفرنسا اتسامها بتوافق وجهات نظر الحكومتين الصديقتين ورؤاهما ومواقفهما المشتركة حيال عديد من القضايا الدولية، والمناخية، والاقتصادية، والجيوسياسية خصوصاً تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط. وهذا ما تثبته لنا ذاكرة أرشيف التواصل الدبلوماسي الثنائي الرسمي رفيع المستوى المنتظم بين قادة وحكومة البلدين.
إن في تأييد ودعم الجمهورية الفرنسية المبكر لملف بلادنا المباركة لترشح مدينة الرياض لاستضافة المعرض الدولي «إكسبو 2030» ترجمة واضحة للمجتمع الدولي بعمق ومتانة هذه العلاقات الثنائية. ولقد كانت لزيارات سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، حفظه الله، إلى الجمهورية الفرنسية في عامي 2022م و2023م أثر بالغ الأهمية في استدامة تقوية وتعزيز هذه العلاقات والمضي بها قدماً.
ولتسليط الضوء أكثر على مستوى عمق علاقات الصداقة الثنائية المشتركة بين السعودية وفرنسا؛ سنتطرق بإيجاز في إيضاح بعض من مجالات وقطاعات هذه التعاونات الاستراتيجية المنبثقة من برامج ومشاريع رؤية المملكة 2030. ففي شأن السياسة الدبلوماسية بين البلدين تعتبر السعودية فرنسا حليفاً استراتيجياً لها والعكس صحيح لفرنسا، فمجمل مواقف الحكومتين في الشأن الدولي ثابتة ومتوافقة، لذا تحرص الحكومة الفرنسية بالتواصل والتشاور المستمر رفيع المستوى مع الحكومة السعودية بشأن أي قضية أو أزمة دولية للخروج بتوصيات تهدف إلى ضمان تحقيق أمن وأمان واستقرار وسلم وسلام المجتمع الدولي.
وفي شأن العلاقات الاقتصادية فقد قُدر إجمالي حجم التبادل التجاري السعودي- الفرنسي للسلع (من غير المعدات العسكرية) في عام 2023م عند مبلغ تسعة مليارات وخمسمائة مليون يورو (1 يورو = 4 ريالات سعودية) حيث كان حجم الصادرات السعودية إلى فرنسا عند 5.3 مليارات يورو، وفي المقابل كانت الواردات الفرنسية إلى السعودية عند 4.2 مليارات يورو. كما أن هناك نموا مطردا في نمو أعداد الشركات الفرنسية المستثمرة في المملكة العربية السعودية في قطاعات مختلفة. ويقابله أيضاً زيادة في عدد المواطنين الفرنسيين المقيمين في السعودية حيث يزيد عددهم على ستة آلاف مواطن فرنسي.
ولا تقتصر العلاقات الثنائية على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية فحسب، بل تمتد لتشمل التعاونات في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والتقني والابتكار، الصحة، ريادة الأعمال، الثقافة، النقل والدعم اللوجيستي، السياحة والضيافة، الترفيه، التراث، الأمن والدفاع، والطاقة بأشكالها المختلفة، والزراعة، التعدين، والبيئة، والذكاء الاصطناعي. ولأهمية هذا القطاع الواعد (الذكاء الاصطناعي) واستشرافاً لأبعاده وأهميته التقنية والتطبيقية فقد رحبت السعودية بإقامة قمة عمل الذكاء الاصطناعي حيث من المقرر عقدها في باريس في فبراير من عام 2025م. إن في تنوع مجالات هذه التعاونات المختلفة بين البلدين شاهداً على تميز ومتانة رابطة العلاقات الثنائية السعودية الفرنسية.
وتأكيداً لعمق هذه العلاقة الفريدة بين الحكومتين، والمضي بها قدماً نحو استمرار تعزيز وتطوير أسس هذه العلاقات المتينة فقد زار مطلع هذا الشهر الميلادي وللمرة الثالثة منذ توليه الرئاسة فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون المملكة العربية السعودية زيارة دولة (أرفع مستوى للزيارات بين قادة الدول) بناء على دعوة رسمية كريمة من حكومة المملكة العربية السعودية ولمدة ثلاثة أيام، حيث كانت تلك الزيارة خلال الفترة 02 – 04 ديسمبر 2024م. وقد تضمن جدول أعمال ملف هذه الزيارة مناقشة أطر استدامة تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين إضافة لمناقشة مجريات الأحداث الجيوسياسية في المنطقة والعالم. وجاء ضمن هذه الزيارة التوقيع على مذكرة تفاهم لتشكيل مجلس شراكة استراتيجي رفيع المستوى بين البلدين من شأنه المضي بهذه العلاقة إلى آفاق أوسع واتجاهات جديدة ورؤى مشتركة طموحة.
ومن جانب آخر، فبحسب بيان نشر على الصفحة الإعلامية لقصر الإليزيه الفرنسي جاء فيه الإشادة بالتطورات السريعة والعميقة والإصلاحات في كل المجالات في المملكة العربية السعودية، وذلك بمتابعة وتوجيهات سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، وأن فرنسا تطمح في المساهمة بخبراتها الواسعة والمتنوعة في دعم هذه المبادرات والمشاريع الضخمة التنموية والمستدامة التي تشهدها بلادنا المباركة ضمن رؤية المملكة 2030.
تحيا علاقات الصداقة السعودية - الفرنسية.